* "كاتب ياسين" أقوى أديب فضح الاستعمار الفرنسي في رمزية شفافة يرى الدكتور أحسن تليلاني أن مظاهرات 08 ماي 1945، و ما أعقبها من مجازر فظيعة في حق الشعب الجزائري الأعزل هي من أكبر الحوادث المأساوية الرهيبة التي شهدها العالم المعاصر، معتبرا أيها قضية قومية عربية وليس فقط قضية جزائرية، وقضية إنسانية تهم الإنسان حيثما كان وأينما وجد في سعيه الحثيث نحو الحرية والعدالة. قال الدكتور أحسن تليلاني خلال ندوة نشطها المسرح الوطني الجزائري افتراضيا تحت شعار "الذاكرة تأبى النسيان" وللحديث عن مجازر 08 ماي 1945 بعيون كاتب ياسين وغيره من الكتاب، على صفحة منتدى المسرح الوطني، أن المجزرة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري الأعزل والتي خلفت أكثر من خمسة و أربعين ألف 45000 شهيد خاصة في مدن سطيف و خراطة وقالمة من أكبر المذابح البشرية في العالم، وصفا ذلك اليوم باليوم المشؤوم كما يسميه ( البشير الإبراهيمي) يوم الثلاثاء، وهو موعد السوق الأسبوعي بمدينة سطيف، حيث جاء الناس والفلاحون إلى المدينة من كل حدب وصوب ليحتفلوا بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، فرفعوا في مسيرتهم العارمة شعارات منادية بالحرية التي وعدتهم بها فرنسا في حالة انتصارها على ألمانيا، لتفاجئهم دوائر الاحتلال برد فعل عنيف حيث أطلقت الرصاص والنيران عليهم من كل مكان، بل استعملت الطائرات في قصف القرى والمداشر، فقتلت الآلاف دون رحمة ولا شفقة، فتحول ذلك اليوم الاحتفالي إلى يوم المذبحة والمجزرة و المحرقة ويوم الدماء مشيرا إلى إن مجازر 08 ماي 1945 وإن كانت قضية وطنية جزائرية، فإنها أيضا قضية قومية عربية، و قضية إنسانية تهم الإنسان حيثما كان و أينما وجد في سعيه الحثيث نحو الحرية و العدالة. وللحديث عن هذا الموضوع، طرح الدكتور تساؤلات عدة منها خلفيات تلك الحوادث؟ أسبابها و وقائعها التاريخية؟ كما تساءل عن المنجز المسرحي الجزائري والعربي والعالمي عن حضورها و تجلياتها؟ وكذا أثرها في مختلف الإبداعات الفنية؟ و موقف المثقفين منها؟ كما نقارب ذاكرة تلك المجازر في الوعي الوطني اليوم ؟ و عن حضورها في الكتابات مابعد الكولونيالية؟ . وحول المنجز الأدبي والمسرحي الذي تناول هذه المجزرة، أكد الدكتور أحسن تليلاني أنه عندما وقعت مجازر 08 ماي 1945 صمت جميع الأدباء والكتاب عن الكلام بسبب قوة الصدمة وبشاعة الجريمة الاستعمارية التي راح ضحيتها 45000 شهيد جزائري، لذلك يسميها كاتب ياسين المأساة الخرساء، حيث يعد هذا الأديب أقوى قلم تأثر بتلك المجازر حتى أننا نجدها حاضرة في أغلب كتاباته الروائية مثل "نجمة" أو المسرحية "الجثة المطوقة" و"الأجداد يزدادون ضراوة" وحتى في قصائده ودواوينه الشعرية، ففي تعابيره يضيف المتحدث يصدح صوت المآسي الخرساء ليصور في جمال إبداعي ساحر آلام الجزائر وهي تعاني القتل والاجتثاث والاستئصال والتشويه والمسخ والاستلاب. لقد عاين كاتب ياسين هذه الجراح -يقول الدكتور- منذ طفولته إذ اكتوى بعذاب الاستعمار وذاق مرارة السجن والتعذيب وعمره لم يتجاوز السادسة عشر ربيعا . حيث شارك في مظاهرات 08 ماي 1945 بسطيف ، فاعتقل وعذب وعندما أطلق سراحه بعد أشهر، وجد المأساة في انتظاره بداية من أمه التي جنت لأنه قيل لها بأن فلذة كبدها كاتب ياسين قد قتل في المظاهرات، ووالده الذي طرد من العمل بسبب انتماء ابنه ياسين للمتمردين، هذا بالإضافة إلى أن إدارة المدرسة التي يتتلمذ فيها كاتب ياسين قد قررت شطبه من قائمة المتمدرسين بسبب مشاركته في المظاهرات . ويرى الدكتور أحسن تليلاني أن كل هذه التجارب المرة وضعت كاتب ياسين وجها لوجه أمام "نجمة" هذا الحب الكبير الذي أزهر في أعماقه وهو داخل زنزانة السجن، إنها الجزائر في مرآة القلب ونجوى الفؤاد، فمن خلال رمزية الحبيبة "نجمة" عبر الكاتب عن آلام الجزائر وآلامها. وتابع تليلاني بأن كاتب ياسين استعمل اللغة الفرنسية و كان يسميها "غنيمة حرب" بل كان يقول أنا استعمل الفرنسية لأقول لفرنسا إنني لست فرنسيا، لذلك يعتبره أقوى أديب فضح الاستعمار في رمزية شفافة، فقال عنه إنه مثل ذلك المحارب الأسطوري الذي يسلب سلاح عدوه ليحاربه به قبل أن يقضي عليه، ففي حربه ضد الاستعمار الفرنسي، جعل من اللغة الفرنسية غنيمة حرب يقارع بها هذه الأمومة الفرنسية الرعناء. وتعد مسرحية "الجثة المطوقة" من أهم مسرحيات كاتب ياسين التي استحضرت مجازر 08 ماي 1945، فقد ولدت هذه المسرحية في كنف الأحداث التي عاشها الكاتب وكتابها وهو داخل السجن الذي عقب فيه بعد تلك المجازر، نشرها في ديسمبر 1954 وجانفي 1955 في مجلة Esprit الفرنسية، وتم عرضها بمسرح موليير في بروكسل يومي 25 و 26 ديسمبر 1958 ثم بباريس في أفريل 1959 من قبل فرقة "جان ماري سيرو" الذي أدى فيها دور لخضر، بذلك تكون أول مسرحية ثورية التحمت مباشرة مع اندلاع الثورة التحريرية منذ أول نوفمبر 1954. من جهة أخرى أبرز تليلاني أن النقاد اتفقوا على أن هذه المسرحية تراهن على شكل تجريبي في فضاء الكتابة المسرحية، وعلى طغيان الرمزية في عرض الشخصية داخل الموقف الذي تواجهه، ولذلك فإن عرض هذه المسرحية وتحليلها يفرض على الباحث العودة إلى عوالم الإبداع وهواجسه عند كاتب ياسين ليستكنه رمزية الشخصيات وما توحي به من مدلولات، فالشخصيات المفتاحية في هذه المسرحية مثل "نجمة" و"الأخضر" و"مارغريت" و"طاهر" نجدها أيضا بذات الأبعاد والمحمولات في رواية "نجمة" فالهاجس المركزي عند كاتب ياسين يتابع المتحدث واحد هو صراع الجزائر ضد الاستعمار . فكانت الجثة المطوقة تمجيدا ملحميا رامزا للثورة ، وإيحاء قويا على مقاومة الاستعمار من خلال بنائها الرامز للثورة، لأن الثورة هي الحل الجذري والحقيقي لكل أشكال الظلم والقهر الاستعمري، فالمسرحية تستحضر مجازر 08 ماي 1945 التي عاشها كاتب ياسين و شارك في مظاهراتها بسطيف ، بل و سجن و عذب خلالها وهو لم يزل بعد طفلا.