(الخوف) من اللّه أجلُّ منازل العابدين، وكلّ واحد إذا خفته هربت منه إلّا اللّه، فإنّك إذا خفته هربت إليه. و(الخوف) من اللّه لا يُراد به ما يخطر بالبال من الرعب، كاستشعار الخوف من الأسد ونحوه، بل إنّما يراد به الكفّ عن المعاصي واختيار الطّاعات. ورد لفظ (الخوف) في القرآن الكريم في أربعة وعشرين ومائة موضع، جاء في سبعة وثمانين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله عزّ وجلّ: {إنِّي أَخَافُ اللّه رَبَّ الْعَالَمِينَ} المائدة:28، وجاء في سبعة وثلاثين موضعًا بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} البقرة:38. وقُرِنَ (الخوف) في مواضع كثيرة في القرآن ب(لا) النّاهية، وب(لا) النّافية، فمثال الأوّل قوله عزّ وجلّ: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} القصص:25، ومثال الثاني قوله سبحانه: {فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} طه:112. ولفظ (الخوف) ورد في القرآن الكريم على سبعة معان: بمعنى الخوف من العدو، كقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مٍنَ الْخَوْفِ} البقرة:155. وبمعنى الحرب والقتال، كقوله سبحانه: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} الأحزاب:19. وبمعنى القتل والهزيمة، كقوله عزّ وجلّ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ} النّساء:83. وبمعنى العلم والدراية، وهذا كثير، منه قوله عزّ وجلّ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} البقرة:182. وبمعنى الظنّ، ومنه قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللّه} البقرة:229. وبمعنى الخوف نفسه، ومنه قوله تعالى: {أَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} آل عمران:170. وبمعنى النّقص، ومنه قوله سبحانه: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} النّحل:47.