هذه نصيحة أهداها إليك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأمسكها بكلتي يديك وعضَّ عليها بناجزيك ، فقد كان ابن مسعود قليل الصوم ، وكان يقول : "إذا صمت ضعفت عن الصلاة؛ وأنا أختار الصلاة على الصوم"، وكان بعضهم إذا صام ضعف عن قراءة القرآن، فكان يكثر الفطر حتى يقدر على التلاوة ، وكل إنسان أعلم بحاله وما يُصلحه. كل منا مريض في جانب من الجوانب، وكلنا يحتاج إلى الدواء ، لكن نوع الدواء الشافي يختلف من مريض إلى آخر، لأن النفوس تتباين وتختلف اختلافا شاسعا، وبالتالي فليس كل دواء يُحدِث نفس الأثر في جميع النفوس، قد تشكو قسوة قلبك وتفقد حلاوة القرب منه، فلا يكون هناك دواء أفضل لحالتك من ركعتين في جوف الليل تغتسل فيهما بالدموع، وربما كان أفضل دواء في حق غيرك أن يخرج من ماله صدقة لله، وثالث يُشفى بعبرة في خلوة، ورابع بمسح رأس يتيم ، وخامس بإطعام مسكين، وسادس بمجالسة صالح ، وسابع بدعاء خاشع أمام مقبرة أو تشييع ميت وحمل نعش، وثامن بصيام تطوع وإلا قسا قلبه وساءت حاله، وكلٌ أدرى بدوائه وأعلم بحاله، ولابد لك أن تُجرِّب سائر الأدوية لتعرف أيها أنسب لك، ومداوٍ لحالتك. قال ابن القيِّم شارحا : " ومراضيه متعددة متنوعة بحسب الأزمان والأماكن والأشخاص والأحوال، وكلها طرق مرضاته، فهذه التي جعلها الله لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جدا لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم، ولو جعلها نوعا واحدا مع اختلاف الأذهان والعقول وقوة الاستعدادات وضعفها لم يسلكها إلا واحد بعد واحد، ولكن لما اختلفت الاستعدادات تنوعت الطرق ؛ ليسلك كل امرىء إلى ربه طريقا يقتضيها استعداده وقوته وقبوله"، ومن ذلك ما فعله جعفر بن سليمان حين عرف أنسب دواء له وجرَّبه فوجده أجدى ما يكون فانطلق يحكي : " كنتُ إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة، وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى ". أخي .. إذا أحسست بنفسك تسبح منك نحو ساحل الفتور ، ولمست قلبك فأحسست بقساوته ، وطلبت عينك فوجدتها جافة من قلة الدمع ، وبحثت عن روحك فوجدتها سارحة مع غير الله ؛ فهرول مسرِعا إلى أسرع ما يشفيك وأعظم ما يُحدِث أثره فيك ، لتغرف منه وتشرب فترتوي وتهتدي بإذن باريك.