قاض ومستشارون لإصدار الأحكام الشفوية وأعوان لتوقيف المتهمين شكل موضوع المحاكم الشعبية مؤخرا بورڤلة نقطة تحول في مساعي الفلاحين لحماية ثروة النخيل من السرقة المتكررة، التي تكبد الفلاحين خسائر جمة مما حتم عليهم تشكيل محاكم شعبية موازية أسسوها بأنفسهم للقضاء على ظاهرة اللصوصية، المنتشرة بواحات النخيل الكبرى بعاصمة الولاية وكذا وادي ريغ عموما. المحاكم المذكورة تحمل طابعا شعبيا بعيدا عن المحاكم الرسمية للدولة، قصد محاكمة كل من يتم القبض عليه متلبسا بسرقة غلة التمور في عين المكان. وتتكون المحكمة من قاض وهو شيخ كبير في السن، يتم الاتفاق عليه، يتكفل بإصدار الحكم علانية، فضلا عن مستشارين ومجموعة من الشباب مهمتها توقيف السارق وتقديمه إلى هيئة المحكمة التي غالبا ما تلتئم بإحدى واحات النخيل. وحسب المعلومات التي بحوزتنا، فإن هذه المحاكم أصدرت عدة أحكام شفوية تكللت بنتائج معتبرة وساهمت في تراجع السرقة بعيدا عن المحاكم الرسمية التي قد تستغرق وقتا طويلا في معالجة هذه القضايا. وتشمل العملية تحقيقا فوريا، عقب توقيف المتهم وبحثه عن هويته وأصوله؟ومن أي جهة ينحدر؟ فضلا عن اسم أمه وأبيه وعدد إخوته؟ وحالته الاجتماعية؟ وما إن كان فقيرا؟ ووضعيته المدنية؟ والعصابة التي أرسلته للقيام بهذه الجريمة؟ لما يتعلق الأمر ببعض المراهقين، وهل سبق للمتهم وأن قام بسرقات مماثلة في غابات أخرى يملكها فلاحون أخرون؟ بعيدا عن المكان الذي تم توقيفه فيه، بغية تبليغ صاحب الغابة المنهوبة، حيث تتحول الغرامة إلى ضعفين. وعادة ما تحكم المحاكم الشعبية على أي لص يتم توقيفه في حالة تلبس بسرقة غلة التمور، إما بإرجاع التمور المسروقة بشكل ودي أو الحكم عليه بتعويضها ماليا في شكل غرامة تضاهي قيمة المسروقات أو يظل قيد الحجز مع توفير كل ما يلزمه إلى غاية تدخل وسيط من أهله أو عشيرته من أجل دفع المبلغ، خاصة لما يكون السارق قاصرا. ويشكل هذا التصرف، حسب البعض، طريقة جديدة للحد من ظاهرة اللصوصية، ومنه عودة المحاكم الشعبية القديمة إلى الواجهة بعد أن اختفت بعد الاستقلال. هذا، وقد لجأ عدد من الفلاحين إلى حراسة نخيلهم بأنفسهم بالتداول المستمر بتشكيل لجان مراقبة، بعد أن عجزت المصالح الأمنية عن حماية واحات النخيل ومحاربة سرقة التمور في السنوات الأخيرة. وذكر عدد من الفلاحين ل "الشروق" أن قيامهم بهذا العمل مرده إلى تضررهم كثيرا من السرقة المتكررة كل سنة تقريبا قبيل عملية جني الغلة والتي تفوق في بعض الغابات 100 مليون سنتيم. وهو مبلغ كبير جدا يحصله اللصوص بسهولة، مؤكدين أن محاكمهم سلمية ولا تتعامل مع الموقوفين بعنف أوتعذيب، ولا تعدو أن تكون عملية ضغط على اللصوص للحد من هذه الظاهرة التي تفشت بالجنوب وأصبحت تحترفها عدة شبكات ولا يعرف أين تذهب أموالها. وجاء هذا التصرف استنادا إلى بعض الفلاحين بعد عقم الشكاوى المتكررة المرفوعة إلى مصالح الشرطة والدرك بخصوص نهب ثروة النخيل إذ يصعب على هذه الجهات توقيف اللصوص ليلا مع تشعب غابات النخيل ومسالكها. وأمام تزايد السرقة، أصبحت عمليات التوقيف، أو ما أصبح يعرف بالمحاكمات الشعبية، الوسيلة الوحيدة حسبهم لتأمين ممتلكاتهم بعد عناء سنة كاملة والتي تقدر بالملاين، لكنها تتعرض لاستنزاف حقيقي من طرف عصابات مختصة، تجعل من ستار الليل غطاء لتنفيذ جرائمها المعاقب عليها شرعا وقانونا.