قرابة أسبوعين مضيا على تواجد المنتخب الوطني في جنوب إفريقيا للمشاركة للمرة الثالثة في نهائيات كأس العالم، فترة عشناها معه عن كثب وتأكدنا من أنّه بعيد كل البعد عن أجواء المونديال الحقيقية لأنه عاش العزلة طيلة هذه الفترة عن العالم الخارجي في المركب السياحي ب “سان لامير” حيث يقيمتلك العزلة كُتبت لها النهاية أمس لدى وصوله إلى مدينة “كاب تاون” التي ستكون مسرحا للخرجة الثانية لمنتخبنا في هذا المونديال اليوم المنتخب الإنجليزي القوي حيث شعر أشبال المدرب الوطني رابح سعدان بالأجواء الحقيقية لكأس العالم ما إن وطأت أقدامهم هذه المدينة وتذوقوا الطعم الحقيقي لمعنى المشاركة في نهائيات كأس العالم بعد قرابة أسبوعين من تواجدهم في بلد “نيلسون مانديلا”، وهو أمر حتى وإن كان حدوثه متأخرا بعض الشيء بما أن المنتخب دفع ثمن عزلته في اللقاء الأول أمام سلوفينيا إلا أنّه قد يكون حافزا للاعبين في لقاء اليوم أمام أشبال المدرب الإيطالي الشهير “فابيو كابيلو”. العزلة في “سان لامير“ كان لها تأثير سلبي وكانت “الهداف” قد تساءلت في اليوم الأول الذي حلّ فيه المنتخب بمقاطعة “كوازولو ناتال” وبالضّبط بالمركب السياحي ل “سان لامير” عما إذا كان التحضير للمونديال في هذا المكان سيكون مفيدا للاعبين أم مضرّا بهم؟ وأعطينا يومها مثالا بالمنتخب الإيفواري الذي عاش في نهائيات كأس إفريقيا بأنغولا العزلة الحقيقية في مقاطع “كابيندا” قبل أن يدفع ثمن ذلك غاليا بخروجه المفاجئ على يد المنتخب الجزائري في الدور ربع النهائي، وقلنا إن العزلة ستكون لها إنعكاسات سلبية على مشوار منتخبنا، كما أننا في الموضوع ذاته قلنا إن العزلة قد تكون مفيدة للاعبين حتى يتسنى لهم التركيز في ظروف مريحة بعيدا عن صخب المناصرين ووسائل الإعلام، وفي نهاية المطاف تأكد أن تلك العزلة كان لها تأثير سلبي على لاعبينا بعد أن تكبدوا الخسارة الأولى في المونديال على يد المنتخب السلوفيني. في “سان لامير” مونديال الغزلان والقردة والتماسيح ولا يمكننا أن ننكر أن المكان الذي يقيم فيه المنتخب الوطني هناك في “سان لامير“ رائع، طبيعته خلابة، مناظره جذابة، مكان يخيم عليه الهدوء والسكينة وبعيد عن الأنظار وعن ضجيج السيارات والغرباء، لكنه في الحقيقة مكان يبدو بعيدا كل البعد عن الحدث العالمي إذ أن الماكثين هناك ومن بينهم بعثة “الهداف“ لا يشعرون ولو للحظة بأن هذه المدينة تحتضن نهائيات كأس العالم، بل سيشعرون بأنهم في عطلة نظرا لما يتوفر عليه المكان من أماكن ترفيهية كحديقة للتماسيح، وغابات للغزلان والقردة وغيرها من الحيوانات الأليفة، وهو ما جعلنا نقول إن المونديال في “سان لامير“ هو مونديال القردة، الغزلان والتماسيح ومختلف الحيوانات وليس مونديال كرة القدم. في “بولوكوان” وكأن الأمر يتعلق بدورة ودية عزلة لاعبينا تواصلت في “بولوكوان” خلاله تنقلهم لمواجهة المنتخب السلوفيني، يومها إعتقدنا أن مغادرة “سان لامير” تستمح للاعبينا بالتنفس والدخول في الأجواء الحقيقية للمونديال والشعور بأنهم يتواجدون حقا في قلب الحدث، لكن عزلتهم وللأسف الشديد تواصلت لأنهم لم يجدوا في مدينة “بولوكوان” أي مؤشرات توحي لهم بأنهم يعيشون المونديال، لأنهم وجدوا مدينة أخرى ميتة لا تتنفس لا الكرة ولا هذا الحدث فوجدوا أنفسهم يقيمون في فندق واجهته السكة الحديدية عوض أن تكون واجهتهم بحرية أو مطلة على ما يجعلهم يتنفسون ويجدون راحتهم، فكان الأمر يبدو أكثر سوءا من ذلك الذي وجدوه في “سان لامير“ وكُتب عليهم أن يبقوا في عزلة حقيقية مرة أخرى. العزل تسبب في حدوث اشتباكات بين اللاعبين ثمن تلك العزلة دفعه لاعبونا في لقاء سلوفينيا الذي خسروه بسذاجة رغم أن النقاط الثلاث كانت في متناولهم، ولا زالوا يدفعونه حتى الآن لأن ما يحدث داخل المجموعة لا يبشر بالخير في ظل الإشتباكات المتواصلة بين اللاعبين، ولعل ما حدث بين زياني وڤديورة أول أمس خلال الحصة التدريبية لخير دليل على ذلك، وما خفي كان أعظم في الحقيقة لأن هناك لاعبين تشابكوا فيما بينهم دون أن نتطرق لذلك حتى لا نُتهم بزعزعة إستقرار المنتخب. توتر العلاقات مع المدرب سعدان واللاعبين تلك العزلة كانت خسائرها كبيرة جدا لأن عددا من اللاعبين صاروا لا يحدثون مدربهم في الآونة الأخيرة في صورة منصوري وغزال اللذين لم يهضما وضعهما كإحتياطيين من جهة، فضلا عن إشتداد الضغط عليها في مكان معزول عن العالم الخارجي فصارا لا يحدثان مدربهما إطلاقا ولا يلقيان حتى التحية عليه، ولا يعد غزال ومنصوري اللاعبين الوحيدين اللذين صارا لا يحدثان مدربهما لأن عبدون وڤاواوي لا زالا ممتعضين منه بعد أن تواصلت معاناة الأول دون الحصول على فرصته كأساسي، وبعد أن صار الثاني حارسا ثالثا وهو الذي كان الرقم واحد بالأمس القريب فقط. “كاب تاون” معقل المونديال الحقيقي ومن يدري فقد تكون هذه العزلة إنتهت أمس بوصول المنتخب الوطني إلى مدينة “كاب تاون” التي وفي نظرنا هي المعقل الحقيقي للمونديال بالنظر إلى الحيوية التي تعرفها، حيث يعيش ناسها الحدث قلبا وقالبا ويعيش زوارها من إسبانيا، إنجلترا، المكسيك الحدث بجوارحهم وقلوبهم، عكس المكان الذي كان يقيم فيه المنتخب ب “سان لامير” حيث تنام المدينة ككل مع غروب الشمس على الساعة الرابعة ونصف أو الخامسة مساء. أجواء لا نظير لها واللاعبون يعيشونها أخيرا ولحسن حظ منتخبنا أنه سيخوض اللقاء الثاني في مدينة “كاب تاون” لأن ذلك سمح للاعبين بأن يعيشوا أجواء المونديال الحقيقية ما إن وطأت أقدامهم ظهر أمس مطار هذه المدينة الحيّة، ففضلا عن العدد الهائل الذي وجدوه في إنتظارهم من الأنصار وفضلا عن ذلك العدد الهائل أيضا من الأنصار الذين إلتفوا بمكان إقامتهم في الفندق طيلة الأمسية والتشجيعات التي تلقوها من طرفهم، فإنهم وجدوا مدينة حية تعيش الحدث العالمي وتتنفس هواء اسمه “كأس العالم” وليس كأس العزلة في “سان لامير“ والتمتع فقط بسحر الطبيعة وحيواناتها الأليفة. أنصار “الخضر“ بقوة وأصواتهم يسمعها اللاعبون من غرفهم وإذا كان اللاعبون قد تعوّدوا على الإكتفاء بسماع خرير مياه البحيرة الصغيرة الموجودة في “سان لامير” في كل ليلة أثناء إقامتهم هناك، فإنهم هناك لا يسمعون لا خرير المياه ولا أصوات الغزلان والقردة بل أنهم يسمعون أهازيج الأنصار الذين شدّوا الرحال بقوا إلى هذه المدينة، ضجيج إخترق وسيظل يخترق أسوار غرفهم إلى أن يغادروا هذه المدينة لا لسبب سوى أنّ الفندق الذي يقيمون فيه يقع في قلب مدينة “كاب تاون“ التي يلجأ لها الأنصار من أماكن إقامتهم أيضا بغية الإقتراب من لاعبيهم وتحفيزهم وتشجيعهم قبل مباراة إنجلترا هذه السهرة. أجواء ستكون مفخرة لهم في لقاء اليوم ومن دون أدنى شك فإنّ الأجواء التي وجدها اللاعبون هنا في “كاب تاون“ ستكون محفزة لهم خلال لقاء إنجلترا هذه السهرة، ومن المؤكد أن إلتفاف الأنصار بهم في المطار وإحتشادهم في كل لحظة أمام الفندق الذي يقيمون فيه سيكون محفزا ومشجعا لهم حتى يستعيدوا الثقة في النفس ويحققوا المفاجأة التي وعدوا بها أمام رفاق روني، في إنتظار أن يعيشوا أجواء مماثلة في بريتوريا خلال المباراة الثالثة أمام المنتخب الأمريكي، لأن بريتوريا هي المعقل الرئيسي الذي يقيم فيه الأنصار الجزائريين الذين تنقلوا إلى جنوب إفريقيا من أجل مساندة المنتخب في المونديال ولأنها هي الأخرى عاصمة حية لا تنام.