ليس من السهل أن تجد فريقا يسقط لعدة مرات في بداية المشوار ويعود ليكمل المسيرة وكأن شيئا لم يكن، نفسيا يجب أن يتمتع هذا الفريق بقدرات نفسية عالية وصلبة تمكنه من الوقوف بعد كل سقطة ليعود ويمضي في طريقه وأقدامه ثابتة على الأرض أكثر مما كان قبلها! خاصة إذا كان المشوار طويلا وشاقا. هذا النفس لا تجده عند كل المنتخبات أو الأندية...إلا إذا كانت تضم محاربين من طينة “الخضر” الذين غيّروا المفاهيم دون أن يحرقوا المراحل، لاعبون أثبتوا احترافية عالية وذكاء شديداّ في تسيير الأزمات والعودة من بعيد أربكت حتى أحد أقوى المدربين في العالم فابيو كابيلو الذي كان أول أمس حائرا كيف يتعامل مع مجموعة لاعبين ظهروا وكأنهم في معركة حربية وكانوا مدججين بسلاح حب الوطن وتحدوهم رغبة جامحة في رفع التحدي. ميسي قالها وكابيلو تجرّعها... الجزائريون لا يعرفون الانحناء كان العرض الذي قدمه المنتخب الجزائري بالأمس تأكيداّ جديداّ على ما يتمتع به الجيل الحالي للمنتخب الجزائري من قدرة على تحمّل المواقف الصعبة وفي أحلك الظروف. فبعد السقوط في أول مباراة أمام منتخب سلوفينيا عاد الفريق الجزائري من جديد أمام المنتخب الإنجليزي الذي يملك طموحات وآمالا عريضة للفوز بكأس العالم والمضي قدماً رفقة الداهية فابيو كابيلو لكنه اصطدم بفريق لا يعرف الانحناء. البداية للجيل الحالي بتجميع العديد من المواهب التي تفرّقت في أوروبا في فريق واحد ولعب مباريات ودية تحت قيادة سعدان أهمها ما لعبها أمام منتخب الأرجنتين وخسر بصعوبة في مباراة قال فيها ميسي إن مدافعي الجزائر من الصعب المرور أمامهم. لولا النفس الثاني لتوقف قطار المونديال في محطة السنغال وقد جاء الإنجاز التاريخي الذي حققه الجيل الحالي أمام العملاق الإنجليزي الذي انحنى بكامل نجومه أول أمس ليؤكد أن وجود النفس الثاني في المنتخب الوطني وعدم تأثر لاعبينا بالخسائر المبكرة هو المفتاح السحري للنجاحات التي حققها “الخضر” إلى حد الآن، فحلم المونديال الذي أصبح حقيقة الآن ويعيشه أكثر من 35 مليوناّ بكل جوارحهم كان بالإمكان أن يتحوّل إلى كابوس منذ الدور التصفوي الأول حين بلغ الصراع الكروي ذروته بين المنتخب الوطني ونظيره السنغالي، ورغم البداية المتعثرة لأشبال سعدان أمام زملاء الحاجي ضيوف في داكار والهزيمة بهدف دون مقابل، ورغم الخسارة غير المنتظرة تماما أمام المنتخب الغامبي الضعيف إلا “الخضر” أبوا إلا أن يعودوا من بعيد ويتغلّبوا على المنتخبين الغامبي والسنغالي على التوالي في ملعب مصطفي تشاكر (1/0) و(3/2) في مباراة ماراطونية أمام منتخب السنغال العنيد ليحصد بطاقة التأهل الوحيدة إلى التصفيات النهائية بعد أن تصدر مجموعته. ملحمة أم درمان لا يقدر عليها إلا الرجال وضعت القرعة منتخب الثوار في المجموعة الثالثة من التصفيات النهائية رفقة بطل إفريقيا مرتين على التوالي مصر، والمنتخب الزامبي العنيد بالإضافة إلى رواندا. لم يكن أحد ينتظر الكثير من “الخُضر“ إلا التأهل لنهائيات كأس الأمم الإفريقية باحتلال المركز الثاني في المجموعة لكن البداية مثل سابقتها في التصفيات التمهيدية كانت سيئة بالتعادل سلبا أمام رواندا. لكن المنتخب الجزائري يوفق بعدها بالفوز في 4 مباريات متتالية على المنتخب المصري (3/1) وزامبيا (ذهابا وإيابا) ثم رواندا، ويخسر في الجولة الأخيرة بصعوبة أمام مصر بهدفين مقابل صفر وفي الظروف الجهنمية التي أحاطت بالمباراة ومازالت راسخة في أذهان “الخضر” حتى الآن، ليكون النفس الثاني الذي يميز الثوار وراء صعودهم إلى المونديال بعد حسم الأمور في المباراة الفاصلة بالسودان وبالضبط في ملحمة “أم درمان“ بفضل هدف عنتر يحيى الذي أحيا آمال الكرة الجزائرية وضمن لها العودة إلى الأضواء بعد غياب طويل. من الخسارة أمام مالاوي إلى الفوز على “الفيّلة”... الثوار يرفضون الاستسلام وبدأ الجميع ينتظر كيف سيستعد المنتخب الجزائري لكأس العالم وكانت بطولة إفريقيا فرصة لمشاهدة ما يعده رجال رابح سعدان، لكن كانت الصدمة في أول مباراة بالخسارة أمام منتخب مالاوي المتواضع للغاية بثلاثة أهداف مقابل صفر وبدأ الجميع يشكك في قدرة الجزائر على اللعب في كأس العالم والتواجد ضمن نخبة المنتخبات الأفضل في العالم. لكن يعود منتخب الثوار من جديد لثالث مرة ومناسبة ليؤكد أنه لا يعرف الاستسلام، فيتفوّق على المنتخب المالي الذي يضم الكثير من النجوم المعروفين في أوروبا بهدف مقابل صفر، ثم يتعادلون أمام صاحب الأرض “أنغولا” في مباراة كان فيها “الخُضر“ هم الأفضل. في دور الثمانية توقع الجميع نهاية مشوار المنتخب الجزائري بأنغولا لكن تفوّق “الخضر” في مباراة حامية الوطيس ومتقلبة على نجوم كوت ديفوار المرعبة بثلاثة أهداف لهدفين، رغم أن المنتخب وقتها استقبل الهدف الثاني 1/2 لكوت ديفوار في الدقيقة الأخيرة لكن أعاد بوڤرة المباراة للحياة من جديد. وخرج “الخضر“ بعدها من البطولة في الدور نصف النهائي أمام المنتخب المصري بالخسارة بالأربعة بتواطؤ من الحكم البنيني كوفي كوجيا الذي ما زال يصنع أحاديث الجزائريين إلى حد الآن، ولذلك فإن الرباعية لا تنفي المشاركة المميزة والجيدة للغاية لمنتخب رابح سعدان بعد غياب لأربع سنوات عن المشاركة ببطولة الأمم الإفريقية. لاعبونا محترفون، يعشقون التحديات والنفس الثاني مضمون دائما وجاءت كأس العالم وتكرّر معها المسلسل بخسارة أمام سلوفينيا بخطأ شاوشي وكان الكل متيقناّ من أن النهاية ستكون أمام المنتخب الإنجليزي خاصة بعد تعثره أمام الولاياتالمتحدة في المباراة الأولى، لكن أظهر رجال الجزائر مساء أول أمس ما يتمتعون به من قوة وإصرار على عدم السقوط، وهو ما ترك عدة تساؤلات وسط النقاد والمحللين الذين راحوا يصفون منتخبنا بالظاهرة، ورغم اختلافهم في عدة نقاط إلا أنهم يتفقون على أمر وحيد وهو أن أغلب عناصر الفريق الجزائري تعوّدت على الضغوط والمواقف الصعبة من خلال تواجدها بالملاعب الأوروبية واحترافها بالعديد من المدارس المختلفة، فلا يوجد فريق عربي يملك مجموعة متجانسة من المحترفين مثلما يملك فريق رابح سعدان، ربما تجد الكثير من المحترفين في منتخبات أخرى لكنهم لا يملكون وحدة الصف وثبات الأقدام مثلما يملك “الخضر” وهذا أمر ليس وليد اللحظة بل تأكد لنا مرة واثنتين وثلاث من قبل.