بعد نهاية المشوار التصفوي، هل يمكن القول أنك حققت ما كنت تصبو إليه؟ لقد حققنا أكثر مما توقّعنا، لكون منتخبنا لم يكتف بحصد النتائج الإيجابية فحسب، بل حتى على مستوى المردود كان ممتازا ومن الناحية التكتيكية أظهر انضباطا لطالما عانت منه الكرة الجزائرية في السابق لكن اليوم خلاص··· نفهم من كلامكم أن الكرة الجزائرية فتحت صفحة جديدة؟ الحمد لله، وهذا كان هدفا سطرناه مع رئيس الفاف حتى قبل عودته للفاف· ولأن الشهية تأتي مع الأكل، فالنتائج فاقت كل التوقعات وعلينا استغلال هذا التألق للعودة إلى الواجهة بكل قوة وتحقيق آمال الشعب الجزائري··· هل لك أن تذكر لنا ما دار بينك وبين روراوة قبل بداية مشروعكما؟ عملنا سويا في 2004 ووقتها شاركنا في نهائيات كأس إفريقيا بتونس واتفقنا مسبقا على أن نكوّن فريقا مستقبليا يكون ناضجا في تصفيات مونديال 2006 لكن المحيطين بالمنتخب لم يمهلوني الوقت الكافي وبدأوا يطالبون بالنتائج الفورية وهو ما كان صعب التحقيق ففضلت الانسحاب، وبعد ذلك انسحب روراوة أيضا من ''الفاف'' وقبل عودته اتصل بي بنحو شهرين وطلب مني أن أعود لقيادة المنتخب فقبلت بعد تردد كبير··· كم دام هذا التردد؟ بقيت لمدة شهر كامل وأنا أفكر في الأمر وأكبر عقبة كانت عندي هي الذكريات الأليمة التي عشتها وعائلتي بعد مونديال مكسيكو، فهذا الأمر جعل حتى زوجتي غير متحمسة للعودة إلى تدريب ''الخضر''، فعرضت على الحاج روراوة العمل كمدير تقني وهو الدور الذي لعبته في تصفيات ''الكان ''2000 لكنه رفض وأقنعني بالعمل كمدرب فلم أستطع رفض طلبه· وكيف تمكّن روراوة من إقناعك؟ روراوة يعرف عمله جيدا، فقد طلب مني أن أضمن للمنتخب تذكرة للعودة إلى النخبة الإفريقية فقط كما أنه كان متأكدا من أن الجزائر ستكون أكبر المستفيدين من القانون الذي يتم طبخه في الفيفا بضم العديد من المغتربين حتى وإن كانوا قد حملوا ألوان منتخبات أجنبية في صغرهم· ووقتها أحسست بأن منتخبنا سيكون له صوتا مسموعا· ما هي المقاييس التي تعتمد عليها في استدعاء لاعبين تربوا في مناخ أوروبي؟ استدعائي لأي لاعب يكون وفق مقياسين أولا الانضباط والرغبة في حمل الألوان الوطنية، فأنا لا يمكنني إجبار أي لاعب على القدوم مهما كانت إمكانياته· وأحيانا تعرض علي بعض الأسماء، لكن ردي هو أن تكون الخطوة الأولى من اللاعب الذي عليه أن يؤكد تعلقه بوطنه الأصلي وليس انتظار دعوة من البلد الذي يقيم فيه، والمقياس الثاني هو المهارة الفردية بطبيعة الحال· ألم تعترضك مشاكل عند مزج المحليين بالمغتربين؟ في البداية وجدنا بعض الصعوبات، لكن مع مرور الوقت أصبحنا كتلة واحدة لدرجة أن المغترب أصبح يجتهد لكي يتعلم التحدث بالعربية والعكس صحيح، فبعض لاعبي المنتخب كانوا لا يجيدون الفرنسية أصبحوا يجتهدون لتعلمها حتى يتواصلوا مع زملائهم· لعبتم مع مصر مرتين في أسبوع واحد وأظهرتم وجهين مختلفين ما رأيك؟ لقد عشنا ظروفا أقل ما يقال عنها إنها مأسوية في القاهرة، ولهذا فخسارتنا كانت لعوامل غير رياضية بالمرة؛ فأول ما وصلنا كنا نعلم أن الفندق قريب من المطار لكن السائق تعمّد إطالة الطريق وفور وصولنا للفندق قاموا باعتدائهم الجبان علينا، وهو ما أفقد لاعبينا تركيزهم فكل ما قمنا به في تربص إيطاليا ضاع لحظة الاعتداء، لدرجة أن اللاعبين لم يتمكّنوا من التركيز على المباراة خاصة مع تواصل التهديدات أثناء وحتى بعد المباراة وهنا يجب أن أذكّر بشيء هام· تفضل··· أول ما أقلعت الطائرة من مطار القاهرة متجهة إلى السودان حتى التف حولي اللاعبون وأكدوا لي أن الاطمئنان عاد إليهم الآن فقط وهذا أمر أثر في نفسيتي كثيرا· وفي نفس الوقت بيني وبين نفسي لم يكن بمقدوري أن ألقي باللوم على أي لاعب خاصة وأنهم تربوا على كرة القدم النظيفة ولم يعايشوا مثل هذه المواقف التي يمكن تسميتها بالإرهاب الكروي، فأحسن لاعب عندي هو مطمور لم يفعل شيئا لأنه غير متعود على هذه التصرفات الجبانة· كما أعلمكم بأن خروج حليش لم يكن بسبب إصابة بل بسبب انهيار معنوياته كلية فلم يقو حتى على الوقوف من الشد العصبي الذي حدث له· إذن تنفستم الصعداء وأنتم في الطريق إلى الخرطوم؟ نعم لقد كنا تحت ضغط رهيب وخرجنا منه، لكن تساؤلات اللاعبين بقيت مستمرة كيف سيكون الوضع في الخرطوم···وهل سيأتي أنصارنا···وهل سيتواصل ضغط المصريين بحكم قربهم من السودان·· لكني طمأنتهم من أن كل شيء سيتغير نحو الإيجاب وبالفعل لمسنا ذلك أول ما وصلنا للخرطوم· هل من توضيح؟ لقد وجدنا استقبالا دافئا من مسؤولي السودان ودفئا كبيرا من شعبهم الكريم، وهو ما جعلنا نتحرر معنويا· ووصل الأمر بأن كل اللاعبين كانت تحذوهم إرادة فولاذية للعب المباراة، حتى أن من كان يعاني من إصابة نسيها وأصر على اللعب· حافظتم في أم درمان على تفوق الجزائر المطلق على مصر في الملاعب المحايدة؟ صراحة الكرة الجزائرية أحسن بكثير من الكرة المصرية - مع احترامي للمصريين - وقد أذهب معكم إلى أبعد من هذا لأؤكد أن مصر التي تفوز علينا في القاهرة فقط ما كان ليكون لها ذلك لولا إدخال عوامل غير رياضية· ومثلا فوزنا الأخير عليهم تحقق لرغبة اللاعبين في الرد على الحفرة التي تعرضوا لها والحمد لله ربي ينصر المظلومين ودماؤنا ودموع كل الجزائريين عما حدث لنا في القاهرة لم تذهب سدى· المصريون قالوا إنهم لم يعتدوا على أي جزائري في القاهرة وأضافوا بأنهم تعرّضوا لاعتداءات من جزائريين في السودان؟ إنها خبطة عشوائية كالذي يوشك على الغرق وتجده يريد التعلق بأي شيء للنجاة، فهم يحاولون تعليق فشلهم على أي مشجب· وهنا أترك الكلمة للسودان الذي نفى مسؤولوه وشعبه هذه المغالطات في الوقت الذي كشف الإعلام الغربي وحشية الاعتداءات المصرية علينا، ورغم ذلك فقد واصلوا محاولات تضليل الرأي العام بطريقة لا نجدها سوى عندهم، فهل يعقل أن لاعبا محترفا عائدا من تربص لخوض مباراة توصله للمونديال يقوم بضرب نفسه وفتح رأسه، وهل يعقل أن الحافلة التي أعادتنا للفندق بعد المباراة استغرقت 4 ساعات كاملة ووسط مشاهد جعلتنا نتخيل أنفسنا أننا في أفغانستان· فهذا تفكير بدائي الغرض منه إخفاء الشمس بالغربال· هل من كلمة أخيرة؟ أشكر السلطات الجزائرية وعلى رأسهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على المساندة الكبيرة التي أعطتنا القوة لتحقيق حلم الشعب الجزائري، كما لا يفوتني أن أقدم خالص تشكراتي لكل السودان على حفاوة الاستقبال والمعاملة الرائعة التي أكّدوا بها أخوتهم لنا· وكلمتي الأخيرة هي أن منتخبنا قادر على مواصلة مسيرته الرائعة بفضل احترافية المحيطين به، لكن لا يجب التوقف عندهم فقط، بل يجب أيضا على أنديتنا أن تحترف هي الأخرى حتى نضمن مواصلة نهضتنا الكروية تفاديا لإعادة أخطائنا السابقة· أشواك بعد الورود إذا كانت سنة 1985 هي أحسن عام لسعدان على الأقل على مستوى نتائج ''الخضر'' التي كانت أكثر من رائعة، فإن السنة الموالية أي 1986 لم تكن كذلك بسبب كثرة المدبرين مما أغرق سفينة منتخبنا في الإسكندرية خلال ''الكان ''1986 حيث اكتفى منتخبنا بتسجيل تعادلين أمام المغرب وزامبيا ثم الخسارة من الكاميرون· وفي مكسيكو اكتفت الجزائر بتسجيل هدف واحد حمل توقيع جمال زيدان وحصدت نقطة واحدة بعد تعادلها مع إيرلندا الشمالية· ولعبت مقابلة مشرّفة ضد البرازيل وخسرت بهدف كاريكا· وكان التعادل يكفيها ضد إسبانيا لبلوغ الدور الثاني، لكن كثرة المشاكل وقتها بين المحليين والمحترفين هزمت منتخبنا ليخرج من الدور الأول ووقتها عاش سعدان أحلك الأوقات··· سعدان والكان···الثالثة ثابتة رغم المسيرة الطويلة لسعدان إلا أنه لم يخض نهائيات كأس أمم إفريقيا سوى مرتين الأولى في مصر عام .1986 ووقتها كان الفريق يعاني من مشاكل لا حصر لها، وهو ما انعكس على مردوده ونتائجه ليخرج من الدور الأول· وفي المرة الثانية عام 2004 بتونس حيث تسلّم مقاليد المنتخب 3 أشهر فقط قبل العرس الإفريقي، ورغم تشبيبه للمنتخب فقد تمكّن من ترويض الكاميرون في المباراة الأولى ثم الفوز والتأهل على حساب مصر للدور الثاني ثم الانسحاب أمام المغرب بطريقة قاسية· ويتطلع لكي تكون مشاركته الثالثة ثابتة ووصوله للمونديال الإفريقي وكذا ارتقاؤه للمركز ال 28 عالميا ليكون المشرف على المنتخب الأول عربيا والرابع إفريقيًا سيحتمان عليه اللعب على التتويج· أول مدرب أفرو عربي يؤهل منتخب بلده 3 مرات لكأس العالم تأهل المنتخب الجزائري إلى مونديال جنوب إفريقيا 2010 يمنح المدرب سعدان إنجازا تاريخيا لم يسبقه فيه أي مدرب على الصعيدين القاري والإقليمي لكونه أول مدرب أفرو-عربي يتمكّن من إيصال منتخب بلاده 3 مرات لنهائيات كأس العالم· كان مع أواسط الخضر في مونديال طوكيو 1979 قبل مونديالات الأكابر تنبغي الإشارة إلى كون المدرب سعدان كان أحد مهندسي تألق الجزائر في مونديال الأواسط الذي احتضنته طوكيو عام 1979 حيث كان الذراع الأيمن للأب الروحي للكرة الجزائرية رشيد مخلوفي، ووقتها تمكّن ''الخضر'' من اجتياز الدور الأول بعد الفوز الباهر على ثيران إسبانيا ثم الانسحاب أمام الأرجنتين بقيادة الأسطورة مارادونا· سعدان مع روغوف ومعوش في الطريق إلى إسبانيا 1982 بعد تألق الجزائر في نهائيات كأس إفريقيا 1980 حيث احتلت المرتبة الثانية بعد البلد المضيف نيجيريا كبرت الأحلام في تحقيق الأفضل فأسندت العارضة الفنية إلى الثلاثي: سعدان ومعوش رفقة الروسي روغوف الذين تمكّنوا من تأهيل الجزائر للمرة الثالثة إلى ''الكان'' وللمرة الأولى إلى مونديال إسبانيا، لكن كثرة المشاكل عصفت بهذا الطاقم الذي فضل رمي المنشفة· الرد بواسطة الرجاء البيضاوي لم يستطع سعدان استيعاب ما حدث له من تناقضات خلال سنتي 1985 و1986 فقرر مغادرة الكرة الجزائرية والعمل بالمغرب مع نادي الرجاء البيضاوي الذي كان هو الآخر يعاني من حرقة الهزائم والابتعاد عن الواجهة· لكن حنكة سعدان أعدّته الأيام الوردية لرجاء الدارالبيضاء بتتويجه ببطولة المغرب ثم مشوار ناجح على طول الخط في منافسة كأس إفريقيا للأندية البطلة الذي توج به سعدان من وهران على حساب ''شاشرة الحمري'' رغم القوة الكبيرة للمولودية الوهرانية آنذاك بخط وسطها الذهبي المشكل من بلومي، ماروك، سبّاح وشريف الوزاني·· ووقتها أدرك أصحاب الحل والربط لكرتنا أنهم فعلا ظلموا رابح سعدان· أول منتخب عربي أفريقي يصل للمونديال دون خسارة عاد سعدان كمدرب رئيسي للنخبة الوطنية عام 1985 وتمكّن من إعادة نفس الإنجاز أي تأهيل الجزائر إلى الكان وكذا إلى المونديال لتكون الجزائر أول بلد أفرو عربي يصل للمونديال مرتين متتاليتين كما أنه أول منتخب يدرك كأس العالم دون خسارة، فبعد تعادل سلبي في أول مباراة بلواندا ضد أنغولا حقق سعدان بعد ذلك 5 انتصارات متتالية بالفوز على أنغولا في مواجهة العودة ثم زامبيا وتونس ذهابا وإيّابا وهي النتائج التي جعلت العالم ينزع قبعة الاحترام لهذا المدرب·