صنع منتخب الأوروغواي الإنجاز وتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم الجارية حاليا بجنوب إفريقيا. ورغم أن لا أحد رشحها قبل بداية الدورة، إلا أن الأوروغواي تجاوزت حتى أهدافها المسطرة قبل المنافسة وسارت على خطى المقولة التي تقول إنّ لا فرق بين منتخب كبير وآخر صغير، حيث تصدرت مجموعتها التي ضمت البلد المنظم إلى جانب فرنسا والمكسيك، وواصلت المشوار بإزاحة كوريا الجنوبية وغانا ومن يدري فقد نراها تتغلّب على هولندا وتصل إلى النهائي وتُعيد إنجاز الثلاثينيات والخمسينيات، لكن الأكيد أنّ الجميع يعلم أنّ المنتخب الوطني سبق له الفوز على “التشيلستي” في مباراة ودية بهدف وحيد. وفي وقت نرى فيه الأوروغواي في نصف نهائي المونديال، ودّع “الخضر” المنافسة من دورها الأول، والأكثر من ذلك دون ترك أي بصمة حتى بتسجيل هدف واحد فقط. الجزائر 1 - الأوروغواي 0... حدث ذلك قبل عام فقط في يوم 12 أوت 2009، أي قبل حوالي عام أجرى المنتخب الوطني مباراة ودية تحضيرية مع نظيره الأوروغواياني، ولُعبت المواجهة فوق ميدان 5 جويلية بالعاصمة في سهرة رمضانية وتمكن “الخضر” حينها بقيادة رابح سعدان من الفوز بنتيجة (1-0) أمام تشكيلة المدرب أوسكار واشنطن تاباريز الذي ما زال يقود الأوروغواي إلى حد الآن، حيث سجّل المهاجم رفيق زهير جبور الهدف الوحيد في المباراة في (د79) بتسديدة صاروخية من داخل منطقة العمليات، خادعت مارتين سيلفا الحارس الثاني للأوروغواي في مونديال جنوب إفريقيا. (75%) من تشكيلة الأوروغواي في ذلك اللقاء موجودة في المونديال الأمر الذي يؤكد أنّ المنتخب الوطني كان في أفضل أحواله حينها هو أنّ الأوروغواي لعبت تقريبا بتشكيلتها الأساسية وتتواجد عدة أسماء شاركت في مواجهة 5 جويلية ضمن التشكيلة الحالية التي وصلت إلى نصف نهائي مونديال جنوب إفريقيا، على غرار القائد لوڤانو، سكوتي، فوسيلي، كافاني، لويس سواريز وأبريو، إلاّ أنّ التشكيلة الأساسية عرفت عدة تغييرات خصوصا أنّ المدرب تاباريز لم يقتنع حينها بالأداء وصحح الكثير من الأمور، وتُمثل التشكيلة التي لعبت أمام الجزائر حوالي 75% من التشكيلة الحالية التي وصلت إلى نصف نهائي المونديال. غاب حينها فورلان وبيريرا، ولكن حتى “الخضر” لعبوا منقوصين أما عن أبرز الغيابات التي شهدتها تشكيلة الأوروغواي حينها، فقد كان عدم حضور الهداف دييڤو فورلان الأبرز، ورفض تاباريز استدعاء مهاجم أتليتيكو مدريد لأنّ مباراة الجزائر تدخل في إطار الاستعداد لمواجهة مصيرية في التصفيات أمام البيرو والتي كان فورلان موقوفا عن المشاركة فيها، وهو السبب الذي استدعى غياب ماكسيميليانو بيريرا، إلاّ أنّ الغيابات طالت تشكيلة “الخضر” أيضا، إذ غاب المدافعين رفيق حليش وعنتر يحيى وشارك عبد القادر العيفاوي لأول مرة، فيما لم يصل حينها كل من مهدي لحسن، حسان يبدة، فؤاد قادير ولاعبون آخرون. تاباريز اعترف أنّ الجزائر أفضل مباشرة بعد نهاية تلك المواجهة الودية التي تفوق فيها “الخضر” على المنتخب الذي وصل الآن إلى نصف نهائي كأس العالم، اعترف أوسكار واشنطن تاباريز أنّ المنتخب الجزائري كان الأفضل في المباراة، وأشاد كثيرا ببعض اللاعبين الجزائريين على شاكلة كريم مطمور الذي كان بمثابة السم على الجهة اليسرى للمدافع خورخي فوسيلي، وذلك الاعتراف شاهد آخر على أنّ الأوضاع تغيّرت كثيرا في بيت “الخضر” منذ تلك الفترة إلى حد الآن. المونديال أثبت من عمل ومن أرخى الحبل اعترافات تاباريز لن يكون لها أي فائدة إذا لم يتواصل العمل من أجل التحسن. فرغم أنّ “الخضر” اقتطعوا تأشيرة التأهل إلى نهائيات كأس العالم المقامة حاليا بجنوب إفريقيا، إلاّ أنّ المونديال أثبت للعيان هشاشة العمل الذي قام به المنتخب الوطني، حيث تراجع الأداء بدل أن يتحسن، وأصبحنا نملك هجوما عقيما ودفاعا مشلولا، عكس الأوروغواي التي صححت الكثير من السلبيات التي ظهرت في مباراة الجزائر، وها هي الآن تصنع الحدث في بلاد نيلسون مانديلا، وما الوصول إلى المربع الذهبي سوى دليل قاطع على العمل الدؤوب الذي قامت به. ما الذي صححه تاباريز ونساه سعدان!؟ التراجع الرهيب لمستوى “الخضر” في مقابل الظهور القوي ل”التشيلستي” لم يأت صدفة، بل هو نتيجة لعدة عوامل ساهمت في التباين الحاصل بين المنتخبين في الوقت الحالي، فالأكيد أنّ المستوى الرائع للمنتخب الأوروغواياني يعود الفضل فيه للمدرب القدير أوسكار تاباريز الذي غيّر الكثير منذ خسارة الجزائر واستفاد من تلك التجربة سواء في مباريات التصفيات أو في المونديال، أما تراجع أداء رفقاء كريم مطمور وخروج “الخضر” خاليي اليدين في كأس العالم، فيُسأل عنه المدرب الوطني رابح سعدان الذي نسي الكثير من الأمور، وتوجد ثلاثة أمور أساسية صنعت الفرق بين المدربين ومنحت الأفضلية للمدرب الأوروغواياني. أولا: “استغناء تاباريز عن اللاعبين الذين تراجع مستواهم وإصرار سعدان على العكس” أول ما قام به المدرب الأوروغواياني هو الاستغناء عن بعض الركائز التي كانت ضمن تشكيلة “التشيلستي”، حيث رفض تاباريز تغليب المصلحة الفردية على حساب الجماعة، وقام بالاستغناء عن بعض النجوم مثل كريستيان رودريڤيز وخورخي مارتيناز، كما أجلس والتر ڤارڤانو وسيباستيان إيڤورين على مقاعد الاحتياط، وهي التغييرات التي كشفت عن قوة شخصية تاباريز. وعلى عكسه، كشف سعدان أنه لن يستغني عن منصوري وصايفي وغزال حتى لو تراجع مستواهم، وجسّد الأمر على أرض الواقع، وهو الفرق الأول الذي رجّح كفة تاباريز على شيخ المدربين في الجزائر. ثانيا: تاباريز متمسك بالأسلوب نفسها وسعدان جرّب جميع الخطط النقطة الثانية التي صنعت الفرق، كانت في التغييرات المستمرة للمدرب الوطني الذي يُغير خطة اللعب في كل مرة، حيث عمد إلى انتهاج أسلوب تكتيكي جديد في كل مباراة. فمرة نرى (3-5-2) ومرة (4-4-2) وأحيانا (4-5-1)، وهو ما يوضح جليا بأنّ سعدان لم يجد بعد آليات التشكيلة بالرغم من مرور عامين على توليه زمام العارضة الفنية، وعلى عكسه تماما، اعتمد المدرب الأوروغواياني على طريقة (4-4-2)، وهي الخطة التي لعبت بها الأوروغواي في مباراة الجزائر السنة الماضية، فواصل تاباريز سلك المنهج نفسه إلى غاية اليوم. ثالثا: تاباريز استغل عودة فورلان وسعدان استفاد من وجوه جديدة دون نتيجة منحت عودة فورلان إلى “التشيلستي” دعما إضافيا حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، حيث استغل تاباريز عودة هداف أتليتيكو وبقية الغائبين عن مباراة “الخضر”. وكشفت مباريات المونديال أنّ لفورلان قيمة ثابتة في المنتخب الأوروغواياني، وعلى العكس من ذلك، استفاد المدرب الوطني بعد مباراة الأوروغواي من عدة وجوه جديدة قادرة على تقديم الإضافة، على غرار يبدة، لحسن، بودبوز، ڤديورة، قادير والحارس مبولحي، إلاّ أنّ “الشيخ” لم يستغلها بل تراجعت نتائج وأداء المنتخب منذ ذلك الحين. منذ 12 أوت 2009... الأوروغواي عملت، تقدمت وجنت، والجزائر لم تتحرك، تراجعت وخيّبت المعطيات السابقة الذكر، تؤكد أنّ الأوروغواي وبقيادة مدربها أوسكار تاباريز عرفت كيف تعمل على تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها في مباراة الجزائر، وتقدمت منذ ذلك التاريخ خطوة بخطوة، حتى جنت ثمار ذلك العمل بالوصول إلى نصف نهائي المونديال، وكان المدرب الطرف الأبرز في هذه المعادلة، بينما سارت الجزائر على عكس النهج، فبقينا نفرح بالأطلال، تراجع مستوى “الخضر” منذ ذلك التاريخ والدليل الفوز الصعب على زامبيا ورواندا والخسارة في مصر، لم نتقدم ولم نتطوّر، وفي الأخير جاءت نتائج المونديال والخروج دون أي هدف، لتكشف العيوب وتفضح الفشل الذريع للمدرب الوطني رابح سعدان الذي السبب الأول والطرف الأبرز في هذه المعادلة.