رغم بعد المهنة التي تزاولها عن المجال الفني والثقافي، عثرت على حلقة ربط بين الفن المسرحي الذي شغفت به حد الهوس وصار يسري في عروقها مجرى الدم في أنحاء الجسم.. ومع الممارسة امتلكت رؤية أخرى لجدوى ممارسة العمل الفني عموما وذاك ليس بغريب عنها وهي سليلة عائلة فنية.. تسعى لترقية الذائقة الفنية للمتلقي الجزائري وإثراء حقل التمثيل المسرحي الجزائري من خلال خوضها تجربة متفردة تتمثل في إنشاء فرقة مسرحية من طراز خاص والموسومة ب ''مثلث الحياة'' تابعة للديوان الوطني للحماية المدنية الجزائرية. عن انتقالها من المسرح المدني إلى المسرح النظامي وعن علاقة المسرح برجال ونساء المطافئ ودوره في ترقية الفن الرابع تتحدث الممثلة فتيحة وراد التي زارتها ''الحوار'' بمقر الوحدة الوطنية للتدريب والتدخل للحماية المدنية بالدار البيضاء بالعاصمة. بداية ما الجديد الذي تحتويه أجندتك الفنية لهذا العام؟ - أنا بصدد تصوير مسلسل تلفزيوني بعنوان ''روح الحياة '' للمخرج القدير عمار تريباش، قصة المسلسل تدور حول حماية التراث الوطني، حيث يقرر أحد رجال الأعمال تحويل ''دويرة'' تقع بقصبة العاصمة إلى فندق خمس نجوم، وسأجسد فيه دور الصحفية التي تأخذ على عاتقها مسؤولية الحفاظ على الموروث الثقافي والعمراني العريق لمدنية الجزائر، ويشاركني البطولة الممثل القدير محمد عجايمي الذي يؤدي دور صاحب المشروع السابق، وهناك أعمال في الأفق على شكل وعود أنتظر تحقيقها في الأيام القادمة إن شاء الله. على يد من كانت ولادة فتيحة الممثلة؟ - ورثت فن التمثيل عن أبي محمد وراد رحمه الله الذي كان يعشق الفن بكل أشكاله الغناء، الموسيقى، التمثيل بشقيه المسرحي والتلفزيوني، وكان كثير المزح مع أولاده ويقوم بحركات في البيت تشبه إلى حد ما فن التمثيل، كما يهوى الطرب الشعبي الأصيل الذي دغدغ به مشاعر أمي التي كان يدللها ويمطرها بكلمات الحب، إلا أن موهبته لم تغادر جدران بيتنا الصغير. ولطالما أخبرتني أمي أنه كان يتمنى أن تظهر بين بناته السبع ممثلة تشفي وتروي عطشه الفني وكنت أنا من أسعفها الحظ في تحقيق أمنيته وحلمه. هذا ما جعلني ألج هذا العالم المحفوف بالمخاطر والمصاعب ولتعزيز، هوايتي وإعطائها طابعا احترافيا التحقت بالمعهد العالي للفنون الدرامية بعد إجراء مسابقة الدخول وتخرجت منها بشهادة الليسانس في الفنون الدرامية سنة .2002 ثم انضممت إلى المسرح الوطني محيي الدين بشطارزي وعملت فيه مع كبار المخرجين داخل وخارج الجزائر منهم، المنجي من تونس في مسرحية ''الحكواتي الأخير'' واكتسبت تجربة لا بأس بها في ميدان المسرح. من على ركح محيي الدين بشطارزي إلى الوحدة الوطنية للتدريب والتدخل للحماية المدنية بالدار البيضاء بالعاصمة، كيف تمت هذه النقلة؟ - التحقت بعالم الحماية المدنية سنة 2003 بطلب من المخرج المسرحي ميسوم والذي استدعي هو الآخر من طرف كبار المسؤولين بالحماية المدنية، ويتعلق الأمر بالمدير العام للحماية المدنية العقيد لهبيري مصطفى والنقيب لهلاوي كمال وكذا مدير الموظفين والتكوين بذات الوحدة السيد بن سالم محفوظ المولعين بعالم الفن والمسرح إيمانا منهم بالدور الريادي الذي يلعبه الفن الرابع في تربية وترقية حياة الفرد داخل المجتمع، وقرروا على إثرها إنشاء فضاء ثقافي لفائدة الفاعلين في الحماية المدنية ويكون تحت إشرافهم شخصيا، صراحة دخولي عالم المثلث الأحمر الذي تنبعث منه ألسنة النار- أقصد رمز الحماية المدنية - لم يكن بالأمر الهين، بل كان تحديا ومغامرة إذ من الصعب تحمل مسؤولية تكوين أناس لا علاقة لهم بالفن المسرحي إلا القليل منهم وتلقينهم آليات جديدة بعيدة عن عملهم، حقيقة لقد توجست خيفة من عدم اداء المهمة التي اوكلت لي على أكمل وجه وهي تكوين فرقة مسرحية مبنية على أسس وضوابط دقيقة وإنتاج عروض في الفن الرابع أبطالها رجال ونساء تلقوا فقط تدريبات في كيفية وطرق إطفاء الحرائق وانتشال وإنقاذ الغرقى وإسعاف المواطنين في حالة المرض ونقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج وكذا الاعتناء بالجرحى في حوادث مختلفة، والتدخل السريع في الكوارث الطبيعية التي تعصف بالأفراد على الصعيدين الداخلي والدولي، وتحويلهم إلى ممثلين على خشبة المسرح داخل قاعة تقع داخل الثكنة وإعطائهم دروسا في أبي الفنون، لذلك عكفت على إعطائهم كل ما تعلمته سواء على مستوى المعهد أو على مستوى عملي بالمسرح الوطني، من تمارين وورشات، وتقمص شخصيات ارتجالية. كيف تجدين العلاقة بين المسرح والمطافئ؟ - لما توليت أمر فرقة ''مثلث الحياة'' أحسست حينها بثقل المهمة الملقاة على عاتقي، لكن وكما يقال فإن الأزمة تلد الهمة، لم أكن أتصور يوما أن هذا المشروع الضخم والكبير ستكون له مردودية بالشكل الذي هو عليه اليوم فرغم قصر مدة التكوين تمكنت من إظهار نتائج جيدة عكست توقعاتي، وأدركت أن ثمة علاقة مكنونة غير ظاهرة للعيان بين المسرح والحماية المدنية لأن الأخيرة بمثابة وعاء تفرغ فيه جميع القيم الإنسانية والوطنية وإحساس أعضائها بالانتماء للوطن يجعلهم يضحون ويتوجعون لأجله كل هذا عبروا عنه بحركات إيمائية موحية على الخشبة. كم مسرحية تم عرضها لحد الآن؟ - لقد تم عرض عملين لحد الآن الأول بعنوان '' 132 سنة '' لولد عبد الرحمان كاكي للمخرج ميسوم، وهو عبارة عن عدة لوحات تناولت فصول تاريخ الثورة التحريرية بدءا من المقاومة الشعبية مرورا بالكفاح السياسي ووصولا إلى مرحلة الاستقلال الوطني، أما الثاني فكان ''الخبرة''، وهذان النموذجان فجرا طاقات الفريق الإبداعية وتأججت فيهم الروح الفنية وتولد لديهم حب المسرح بشكل جلي. هذا يعني أن الأولوية للأقلام الجزائرية عكس المسرح العادي الذي يعتمد في غالب الأحيان على اقتباس النصوص العالمية ومحاولة اسقاطها على الواقع المتغير؟ - طبعا يجب أن تكون النصوص التي تعالج على ركح الحماية كلها نابعة من عمق الجزائر الأصيلة وبأقلام أبنائها البررة، ولابد من تسمية الأمور بمسمياتها فالحماية المدنية تقابلها حماية النصوص المسرحية الوطنية من الاندثار والنسيان، وبالمناسبة أدعو المتمرسين في المجال المسرحي في الجزائر لتشجيع المواهب الشابة والتعاون معهم لأن الجزائر تزخر بطاقات إبداعية مدهشة فحرام تجاهلها أو إدارة ظهورنا عنها. متى نقول إننا فعلا نسير باتجاه صناعة مسرح بمقاييس تخدم المتلقي الجزائري؟ - يكون ذلك حين نتمكن من تخليص المسرح الجزائري من سلاسل عبودية الاقتباس التي كبلته على مر السنين، وحين نتمكن من تجريده من العوائق التي عطلت نموه وحين يدرك الفاعلون في بيت الفن الرابع أن العمل المسرحي لا يعرف ''البيسطو'' بل هو متوقف على العمل ثم العمل والابتعاد عن الذاتية واتخاذ الموضوعية كمنهج علمي دقيق يتم على أساسه اختيار النصوص التي تعكس واقع المجتمع الجزائري، لأن المسرح الحقيقي هو مرآة عاكسة لأحوال الناس التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والاجتماعية، أي يخدم متطلبات عصر الأمة مثلما فعل كاكي، علولة، عز الدين مجوبي.... فتجربة عاصمة الثقافة العربية لم تستغل جميع الأعمال التي سهر عليها الكتاب بصورة مثلى فبقيت حبيسة ادراج مكاتبهم، إضافة إلى أن هناك عروضا مسرحية مميزة أقيمت خارج العاصمة وأثبتت جدارتها، آن الأوان إذن للنهوض بمسرحنا وإعطائه طابعه وخصوصيته الوطنية التي تميزه عن باقي مسارح العالم. أين تجد فتيحة نفسها: كمخرجة ومسيرة أو كممثلة؟ - صراحة أنا من هواة وعشاق ومحبي المسرح وهو يمثل انشغالي الاكير في الحياة لذلك أفضل أن أكون ممثلة على خشبة المسرح وأسير من طرف المخرج، لكن للأسف لم أجد لحد الساعة مخرجا مسرحيا استطاع ان يكتشف ما أحمله في صدري، إنني أبحث عن مخرج يتعبني على خشبة المسرح ويخرج كل الطاقات التي اختزنها. كيف تقيمين واقع مسرح الطفل في الجزائر، وهل ثمة مشروع لهذا المخلوق الصغير؟ الطفل الجزائري تعيس فنيا ومهمش ثقافيا، لم يحظ بالعناية اللازمة من قبل السلطات المسؤولة عن القطاع الثقافي ببلادنا، غياب النشاطات الثقافية الخاصة بالطفل لا سيما في النظام البيداغوجي الذي اقتصر دوره على عملية التحصيل العلمي فقط، جعل التلميذ محاصرا بين الكتاب والقلم والكراس واللوحة والطباشير والسبورة طيلة 21 ساعة في الأسبوع يقضيها في مدرسته دون أن يتنفس، الأمر الذي جعل هؤلاء رهن العنف المادي والمعنوي وعرضة لآفات اجتماعية خطرة، وأضحت أفكارهم مشتتة ومضطربة، وفقدوا توازنهم الشخصي والنفسي لدرجة أنه وصل الحد ببعض التلاميذ إلى عدم احترام الأستاذ وشتم زملائه وضربهم مستعملين أسلحة بيضاء، فلو نظم هذا المتمدرس في إطار نشاط ثقافي داخل مؤسسته لما وصل الامر إلى هذا الحد. لا بد من مراعاة المواهب كالشعر والرسم والموسيقى، والتمثيل والخواطر كل حسب ما تجود ملكته الفكرية وتؤطر من قبل مشرف بحسب كل نشاط وهكذا يضبط تدريجيا ويوجه إلى المنحى السوي، فالطفل يولد على فطرة وصفحة بيضاء نكتب عليها ما نشاء، لماذا لا نعبئه بأشياء وننشئه تنشئة اجتماعية جيدة ونعده رجلا للمستقبل يحمل مشعل العلم والأخلاق معا، ففي البلدان المتقدمة الطفل الذي ليست له ميول ثقافية طفل مريض، شخصيا بت أخشى على الجيل الصاعد من بينهم ابنتي فاطمة التي تهوى الفن وتميل إلى سماع الموسيقى بمختلف طبوعها، علينا إنشاء نوادٍ ثقافية يتنفس من خلالها أطفالنا، لأنهم مشروع فني مستقبلي لذا يجب استثمارهم وإعدادهم ليصبحوا نجوم الغد، وللعلم فأنا بصدد تحضير فرقة موسيقية خاصة بالطفل الذي يترواح سنه بين 3 و7 سنوات، وقد قمت بدراسة معمقة للآلات الموسيقية الأقرب إلى ميولاتهم والتي يستوعبها المتربص الصغير، وأرجو أن يكلل العمل بالنجاح إن شاء الله.