سجل خلال السنوات الأخيرة إقبالا كبيرا على ممارسي الرقية، هذه الأخيرة التي صار لها دكاكين ومحلات في كل مكان وزبائن بالآلاف يلهثون وراء الحلول السحرية لأمراضهم النفسية ومشاكلهم المستعصية، وأغلبهم قاده الفراغ الروحي إلى طرق أبواب الرقاة، فوقع ضحية احتيالهم وابتزازهم المفضوح. ح.سامية/نصيرة سيد علي/آمنة .ب إلى وقت قريب، كان زبائن الرقية يفضلون اللجوء إلى بعض المنتمين إلى سلك الشؤون الدينية والمحيط المسجدي، على أساس أنهم أهل للثقة أكثر من غيرهم من الدخلاء، غير أن تعليمة وزارة الشؤون الدينية التي ألزمت الأئمة والقائمين على النشاط المسجدي بحظر ممارسة الرقية في المحيط المسجدي نهاية العام المنصرم، فتحت الباب على مصراعيه للمستثمرين في آلام الناس وأمراضهم، فعاثوا فسادا في المجتمع وارتكبوا كل المحظورات في ظل صمت السلطات عن المخالفات العلنية التي تحدث في دكاكين الشعوذة المتخفية تحت غطاء الشرعية.
التعليمة فتحت الباب أمام المشعوذين تقول عائشة 54 سنة مواطنة من العاصمة، أنها كانت تلجأ إلى المسجد وتقصد إحدى الواعظات في المسجد لترقي لها، لكنها قوبلت بالرفض منذ عدة شهور، حيث استبدلت إمام المسجد بأحد مدعي المشيخة الذين فتحوا بيوتهم لممارسة الرقية والحجامة، لتدرك بعد فترة أنه يطلب منها مبالغ معتبرة من المال لا تقدر عليها، كما يطالبها بشراء الماء المعدني من عنده، بالإضافة إلى السكر وماء الزهر وأشياء أخرى لم تتعود عليها في الرقية. تقول عائشة" تخوفت من الوقوع في البدع والمخالفات الشرعية بسبب ما رأيت من هذا الراقي، كما تأكدت أن من يتاجر ويستثمر في هموم الناس لن تكون رقياه نافعة لأنها تفتقد للنية الخالصة، لهذا عدلت عن الذهاب إليه، ورجعت إلى الأخت التي تعودت أن ترقيني في المسجد، فرفضت ولكنها أمدتني بماء مقروء عليه وزيت للدهن". وتتابع عائشة" بمجرد أن وطأت رجلي محل هذا الراقي حتى أقنعني بأنني أعاني من "التابعة" وأنني أصبت بريح من الجن وغيرها من الإصابات وأكثر ما أخافني في كلامه أنه أخبرني بأن أولادي سيتأثرون بإصابتي، مما جعلني أنقاد لجلسات الرقية التي لم تنته لمدة فاقت الشهرين، وفي كل جلسة أتكبد دفع المال مقابل الرقية ومقابل الأعشاب التي يبيعها لنا والماء المعدني وغيره، وفي الأخير قررت عدم الاستمرار لأنني شعرت بأن هذا الراقي -سامحه الله -يمارس الشعوذة تحت قناع الرقية، خاصة بعد أن سمعت إحدى السيدات وهي تطلب منه مساعدتها في استعادة زوجها، ساعتها أدركت أن ما يمارسه لا يمت إلى الرقية الشرعية بصلة.
يشترون بآيات الله ثمنا قليلا حالات المرضى لا تعد ولا تحصى، مواطنون يعانون من مختلف الأمراض النفسية والروحية ويشتكون من انعدام وجود البديل عن المساجد، ومنهم الطفل عبد الرؤوف الذي يعاني من الصرع وتعود والده على أخذه إلى المسجد ليرقيه الإمام دوريا كل ما انتابته حالة الصرع، لكن وبعد صدور التعليمة وامتثال أغلب المساجد لها، اصطدم الوالد بواقع آخر عن الرقية خارج الإطار المسجدي، حيث اصطحب عبد الرؤوف معه إلى أحد الرقاة الذي اقترح عليه تعريض ابنه إلى "القطيع" وطالبه بمبلغ مالي معتبر، فأدرك الوالد المغلوب على أمره بأنه وقع فريسة تاجر محتال، خاصة بعد أن أخبره بأنه هو أيضا مسحور وزوجته هي الأخرى تعاني من السحر المأكول الذي انتقل إلى الطفل عبد الرؤوف. ساعتها أدرك والد الطفل أن الراقي المزعوم جشع وطماع، يحاول أن يستخف بعقله وكل ما يهمه هو تحقيق أكبر كسب مادي من خلال استغلال مرض ابنه وحاجته للشفاء.
تجاوزات شرعية خطيرة فاحت سمعة بعض الرقاة بسبب تجاوزهم الخطوط الحمراء وتجرئهم على لمس المريضات وتحسس أجسادهن تحت غطاء إخراج الجن المتمركز في الرحم أو في أي مكان من الجسم، وهو ما ترويه راضية التي قصدت أحد الرقاة بسبب إصابتها بما سمته "اكتئاب"، لكنها فوجئت بمن يحفظ كتاب الله يضع يده على رأسها ثم على صدرها وفي آخر المطاف أخبرها بأن الجن يستقر في رحمها، وأن أغلب إصابات المس تتمركز في رحم النساء، وقبل أن تشرع في جلسات إخراج الجن من الرحم، غادرت محل الرقية هذا إلى غير رجعة متحسرة على ما آل إليه وضع الرقية في المجتمع الجزائري، مؤكدة أن الثقة في الله وحده والشفاء بيده وحده وما دون ذلك كله هباء.
جلول حجيمي الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة: الرقية مصائبها من الدخلاء التعليمة أصدرتها الإدارة دون اللجوء إلى الشركاء
صرح جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة، الذي استنكر المسألة، بقوله "لا نختلف حول وجود بعض الأئمة ممن يمارسون الرقية على حساب وظائفهم الأصلية، لكن الرقية الشرعية أصبحت واقعا معاشا يلجأ إليه الكبير والصغير والطائع والعاصي، المتدين وغير المتدين، وأصبحت حلا لمعوقات ومشاكل كثيرة، مشيرا إلى أنه كان من الممارسين لهذه الرقية منذ أكثر من عشرين سنة، والحمد لله جاد الله سبحانه وتعالى على يديه بالفتح على الكثيرين. وأكد حجيمي، أن هذه التعليمة أصدرتها الإدارة دون اللجوء إلى الشركاء، وأضاف "كان لابد من إشراك أهل العلم والدين في أخذ هذا القرار"، فحين نشدد الرقابة على الأئمة ومعلمي القرآن الكريم ومن يحفظ كتاب الله ويتمتع بسمعة طيبة بين الناس، فإننا نفتح المجال لآخرين لا يحفظون القرآن وليس لهم علم بأحكام الشريعة، ليؤجروا محلات ويخصصونها لممارسة الرقية واستقبال المرضى، وفي ذلك تيسير لمن يتاجر بالدين. وتابع رئيس نقابة الأئمة"نحتاج بين هذا وذاك إلى نظرة صائبة متمعنة وذلك بتطهير هذه الأخيرة من الدخلاء وتأهيل مجلس علمي أومجالس أخرى ذات صلة، تعين على توجيه الناس إلى من هم أهل للعلاج بالقرآن"، وأضاف" لا يختلف اثنان على أن الرقية الشرعية ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن ما نحتاج إليه هو من يمتلك مؤهلات لممارسة الرقية الشرعية، وفي ظل الأزمات النفسية والاجتماعية والروحية والأخلاقية التي نعيشها اليوم، تلعب الرقية دورا عظيما في حياة الناس وفي خروجهم من المآسي إلى بر الأمان. وأضاف جلول حجيمي "إذا شددنا على الأئمة فقد تعمدنا فتح باب التجاوزات لهؤلاء الذين يتلاعبون بالناس، خاصة وأننا في وقت صار فيه كل من أطلق اللحية ولبس قميصا يدعي الرقية. الرقية مصائبها من الدخلاء عليها، أنا صاحب دراسة متخصصة في العلاج بالقرآن منشورة في المؤتمر العالمي للعلاج بالقرآن الكريم، كيف أمنع أنا ويأتي من الضفة الأخرى رجل جاهل ويسمح له بالرقية، والناس في مسألة العلاج بالقرآن ضعاف النفوس، وبدافع الحاجة إلى العلاج قد يقعون فرائس للدخلاء، لذا علينا نحن المختصون والعارفين بأصول الرقية إنارة بصيرة هؤلاء، ومن هنا نحن قدمنا طرحا علميا وتربويا ومنهجيا، طرحا مدركا لفقه الواقع، ونحن أولى بالرقية، نحن اليوم بحاجة إلى استحداث السبل والطرق للنجاة، والخروج بالأمة إلى بر الآمان.
الإمام بلعيد زرقون: التضييق على المساجد يفتح أبواب الدجل والاحتيال كشف الإمام بلعيد زرقون، في تصريح ل"الحوار"، أن مهام المسجد في الحقيقة لا تشتمل على الحجامة والرقية، إنما المساجد للعبادة وتعلم الدين، مشيرا أن الحجامة تعتبر من الشؤون الطبية ولا ينبغي أن تقام في المساجد، نظرا لأنها تحتاج إلى أناس مختصين وأدوات معقمة، وعليه ينبغي أن تمارس الحجامة بأماكن مخصصة ومجهزة لها، أما بالنسبة للرقية، فقد أوضح بأن منعها في المساجد في ظل غياب البديل يدفع الناس إلى اللجوء للدجالين والمشعوذين. وأضاف زرقون، بأن التضييق على المساجد ومنع الأئمة من القيام بالرقية الشرعية، سواء داخل المساجد أو داخل السكنات الوظيفية التي يقيمون بها بجوار المسجد، من دون إيجاد أي بديل آخر للمرضى والأشخاص الراغبين في العلاج بالرقية الشرعية، سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام الدجالين والمحتالين والرقاة المزيفين اللذين يستغلون حاجة المرضى لأغراض دنيئة، وليست لهم أية علاقة بالرقية والقرآن، منبها إلى أن معظم المشعوذين والدجالين لا يفصحون عن حقيقتهم ويدعون أنهم رقاة، بل ويستعملون بعض الآيات القرآنية حتى يوهمون الناس أن ما يقومون به رقية شرعية، ليلجأوا بعدها إلى شعوذتهم بالسؤال عن اسم الشخص واسم والدته، وبعدها يذهبون به بعيدا، حيث يقومون بأمور كفيلة بجر الإنسان إلى الشرك بالله وبإخراجه تماما من أمة الإسلام، كأمره بالذبح لغير الله، فكثير من المشعوذين من يأمرون الناس بذبح ديك أحمر في مكان معين، واللافت في الأمر أن هذا الذبح لا يكون لله إنما للجن، وهذا شرك بالله بدليل الحديث الشريف "من ذبح لغير الله فقد أشرك"، والآية الكريمة " وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ". وأضاف"توجد حالات حرجة تستلزم الرقية، وفيما كانت المساجد تحتوي المريض ليس فقط برقيته إنما بوعظه أيضا ونصحه بالمداومة على الذكر والدعاء، فضلا على تشخيص حالته بأمانة وصدق، كون معظم الأئمة لا يتقاضون أجرا مقابل رقية المرضى، إلا إن أراد المريض أن يقدم شيئا بسيطا كهدية، والتشخيص الجيد ضروري لأن الكثير من الحالات التي تلجأ إلى الرقية تكون تعاني من مشكلة نفسية فقط ولا تعاني من مس أوسحر، وبالتالي فإن الإمام يوجه المريض إلى الوجهة الصحيحة على عكس ما يحدث عند الدجالين والمحتالين الذين يوهمون الإنسان بأنه مسحور وعليه المداومة على زيارتهم فقط لسلب ماله، بالإضافة إلى تسببهم في الإيقاع بين الناس ونشوب الفتنة نتيجة اتهام أناس أبرياء بسحر المريض، فيعطونه الاسم والمواصفات ويتسببون في وقوع فتنة كبيرة وقطيعة ظلما وزورا". وأكد المتحدث ذاته، بأن التعليمة التي سبق أن أصدرتها وزارة الشؤون الدينية إيجابية من بعض النواحي، لكنها تظل ناقصة في ظل غياب البديل المناسب الذي يحمي الناس من الدجالين والمحتالين من جهة ويساعدهم في التخلص من معاناتهم من جهة أخرى. وعليه طالب الإمام بلعيد زرقون، بوضع هيئة معينة من أجل منح الناس المؤهلين والأمناء رخصة واعتماد لممارسة الرقية في عيادات أو أماكن مخصصة لها، وفي نفس الوقت منع الرقية والحجامة دون رخصة حتى لا تمارس من طرف من هب ودب، خصوصا وأن الكثير من التجاوزات باتت تمارس من طرف المحتالين.
الشيخ محمد ناصري: الذكر والدعاء يغنيان الإنسان عن اللجوء للرقاة أكد الشيخ محمد ناصري، إمام مسجد الفتح بالشراقة، في تصريح للحوار، بأن التعليمة الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية كانت في مكانها فيما يتعلق بمنع الحجامة في المساجد، مشيرا إلى أن المسألة طبية ولا يجوز أن تقام في المساجد وإنما يجب أن يقوم بها طبيب جراح وليس رجل دين، أما فيما يتعلق بالرقية فقد أشار المتحدث ذاته، إلى أن الرقية نوعان أحدهما يحتاج إلى وقت طويل وجلسات عديدة لا يمكن أن تقام في المساجد، والنوع الثاني البسيط والمتمثل في قراءة آيات قرآنية على الماء أو الزيت، وذلك تبركا بالقرآن الكريم، وهذا النوع من الرقية لا يزال يمارس في المساجد إلى اليوم. وقد أشار إمام مسجد الفتح إلى وجود بعض الحالات الحرجة كأن يتلبس الشيطان بشخص ما، ويتم ذلك بسبب ابتعاد الإنسان عن الذكر والدعاء، وعليه نصح الناس بضرورة المداومة على قراءة القرآن والدعاء لأجل تحصين النفس، فضلا عن الإخلاص في عبادة الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الآية الكريمة "قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ "، وأضاف الشيخ ناصري بأن الذكر والدعاء والإخلاص في العمل الصالح حتى وإن كان قليلا يغنيان الإنسان عن الراقي.