[email protected] عندما دعاني الصديق العزيز سليمان بخليلي لأكون ضيفه في برنامجه الرمضاني اليومي على قناة الشروق (خاتم سليمان) وصنفني ضمن قائمة (أنت القدوة) وجدتُنِي أترددُ في قبول الدعوة لأسباب عدة. كان من بينها أنني صرت أكره الظهور على القنوات الفضائية التي صار بعضها يدعو معك مهرجًا سياسيًا ليجادلك في السياسة وكأنه حسب تعريفنا الشعبي (بوعريفو) السياسة وهو أبعد الناس عن السياسة، وكان ثاني الأسباب أنني أرفض أن أُصنَّف بالقدوة، لأن للقدوة شروطا عديدة أبرزها التميز في المجتمع، وأنا أفضل أن أترك الآخرين ليصنفوني، وقد كنتُ أعلِّقُ على مكتبي عندما كنت نائبا بالمجلس الشعبي الوطني بيتًا شعرياً جميلا للإمام علي كرم الله وجهه كان يلاحظُه كلُّ من يدخل مكتبي: مَلأَى السنابل تنحني بتواضعٍ والفارغاتُ رؤوسهنَّ شوامخُ ولعل المشاهد الكريم الذي تابع تلك الحلقة يكون قد لاحظ سليمان وهو يروي قصةَ التحاقه بالتلفزيون وكيف عملتُ المستحيل ليتم توظيفه بالسرعة الفائقة بعد أن رأيتُ فيه وجها تلفزيونيا قادما لابد من اختطافه. وقد تهاطلتْ عليَّ بعد بثِّ تلك الحلقة مكالماتٌ هاتفية واتصالات متعددة على موقعي تُثني على سليمان اعترافَه بالجميل، وهي صفةٌ تكاد تزول من قواميس معاملاتِنا وممارساتِنا اليومية للأسف في عالم بات يتميز بالنكران والجحود، بعد أن صار بعضهم في مختلف مواقع المسؤولية وخاصة في عالم السياسة يشكو اليوم من (الطعنات الصديقة) التي قد تأتيه مصوَّبةً بدقة نحو الظهر من بعض البشر الذين كانوا مجردَ نكراتٍ في المجتمع والذين قد يصنع منهم هذا المسؤول أو ذاك شيئا، فيكونون هم أولُ الطاعنين فيه والتشكيك في كفاءته وتسييره. وكأنني أستحضر بذلك قول الشاعر: وكم علَّمتُه نَظْمَ القوافي فلما قال قافيةً هجانيِ لقد تعودنا للأسف كل يوم على مشاهدة نماذجَ بشرية انتهازية تتنكر لكل فعل جميل وتريد حرق المراحل وتسيء حتى لمن صنعوها. ففي السياسة قد تجد هذا المخلوق المصنوع وربما يكون أضعف الناس من حيث التجربة وحسن التسيير وقلة الحنكة وضعف الشخصية بل وأخسهم أخلاقا يتحول بسرعة فائقة لمارد بفعل فاعل منقوزًا مهموزا يَصُكُّ صانعه كحمار وحشيٍ شاردٍ مارد .. وفي الثقافة قد يتحول التلميذُ الغبي إلى لصٍ بارعٍ يسرق النصوص روائيةً كانت أو شعرية وكيفما كان لونها ويتبناها لنفسه بل و يتحول إلى ناقد بارع لصاحبها الأصلي بزعمه أنه دخيل على الكتابة والإبداع !. والأكيد أن كثيرا من المجاهدين يتذكرون كيف أن بعض الخونة وحَرْكَى الأمس كانوا عقب استعادة السيادة الوطنية في ال 5 جويلية 1962 يحاولون الظهور كالخفافيش في المناطق التي لم يكونوا معروفين فيها بمظهر مغاير لحقيقتهم أثناء الثورة، بل إن بعضهم كان يخطب في الناس وكأنه مجاهد كبير من صُنَّاع التاريخ والثورة. وربما يكون هؤلاء قد هيَّأُوا اليوم أبناءهم وأحفادهم لخلافتهم ليمارسوا نفس الدور وربما بكيفية أرقى ! شكرا لسليمان وأمثال سليمان حتى لو صاروا يمثلون الاستثناء في عالم يتفننُ فيه مبدعُو ثقافة النكران وفن الجحود في الظهور على حساب أصحاب مدرسة الكفاءة والقيم الجميلة التي تعترف بفضل الآخر وتسعى لتكريس ثقافة الاعتراف ..