أصعب ما قد يمر به أي إنسان حاليا بعد العيش في وطن يعتمد اقتصاده فقط على بيع الوقود الأحفوري ومحاولة التخلص من خدمة رنة الانتظار في الهاتف، هو محاولة صناعة نكتة من هذه المهزلة التي نعيشها، ولصعوبة الأمر فكرت في أن أحكي لك فيلما قديما بدلا من ذلك… فمن نهاية السبعينات إلى منتصف الثمانينات ومع انهيار أسعار النفط اجتاحت العالم حمى سلسلة أفلام حرب النجوم، واجتاحت الجزائر حمى سلسلة المطالب بالرخاء والحرية والعدالة الاجتماعية.. منذ زمن طويل جدا وفي مجرة بعيدة، ينفجر الوضع الاجتماعي الاقتصادي بسبب اعتبارات عدة أهمها أن الشعب اعتقد أن التضخم كما الضيق في القلوب لا في الاقتصاد، لتتفتح أولى بوادر الجمهورية ويبدأ مشوار التعددية الحزبية الذي انطلق بحماس منقطع النظير كوّن ردة فعل كالقوة السابقة له تماما في الشدة لكنها مخالفة لها في الاتجاه، تماما كما جاء في القانون الثاني لنيوتن قبل تعديلات الدستور، فالحرية لم تصبح مجرد شعار بل تحولت إلى ممارسة فعلية خارج المحاولات النمطية الاستعراضية لكسر التابوهات، كان هناك اندثار حقيقي للرداءة وترجمة فعلية لرغبة الجماهير، كانت الدماء التي سالت وامتزجت بتلك الرغبة الصادقة سماد الأرض ومتنفس التراب.. مع كل تلك الأجواء المبشرة ودخول مرحلة التطبيق لكل ذلك الانفتاح السياسي بدأت عملية وضع العصى في العجلة، الجمهورية تسقط في فخ الانقسام لا الاقتسام الخلاف لا الاختلاف والديمقراطية تنجح في مبنى التلفاز، في ورق الجريدة وعلى إسفلت الطرقات لكنها لا تنجح في الصناديق، فالأنظمة الديمقراطية جدا جاءت بالصندوق ولن تغادر إلا في صندوق، الطموحات المغرقة في السريالية من السهل أن تعبر الحد الفاصل بين الأحلام والكوابيس، وما كان عملية زراعة أمل أصبح عملية جمع والتقاط لكل ما فيه أمل.. ما كان غربلة للشوائب أصبح تصفية للأفكار والرداءة التي كانت تندثر أصبحت سيدة الزمان وسمة الرجال. وعجلة التاريخ لن تتوقف ولن تخفف من سرعتها مهما وضعنا فيها من عصي ومهما صعبنا لها الطرقات، وأسعار البترول تسقط من جديد وتجتاح العالم حمى سلسلة أفلام حرب النجوم، والأوضاع الاجتماعية الاقتصادية تتأزم من جديد.. فهل سنراجع أخطاء الماضي التي نذكرها لا لنحتفل بها أو نتباكى عليها بل لنتعلم منها؟، أم نترك مجالا للتاريخ ليعيد نفسه كالعادة ليس لضعف مخيلته لكن لإدماننا على سخرية القدر.