أكثر ما يشد الانتباه في ''عقلية'' الجزائري، أنه لا يفوت أية مناسبة احتفالية وطنية كانت أم دينية، كي لا يدعها تمر عليه مرور الكرام، وإن كان عدد من الجزائريين يشكون قلة الحيلة وضعف المداخيل، فإنهم على الرغم من ذلك يستثمرون اللحظة كل بطريقته الخاصة، مع التركيز على عدد منها، كما هو الحال بالنسبة للمولد النبوي الشريف، هذه المناسبة التي ستحل علينا في غضون أيام قليلة، وما الحالة الهستيرية التي يعيشها شبابنا عبر جل شوارع وطرقات المدن الجزائرية إلا خير دليل على ذلك، فالجميع ضرب موعدا مع الحدث.. مناسبة المولد النبوي الشريف التي يجدر بنا نحن المسلمين أن نستقبلها خاشعين منكسرين، فالذكرى عزيزة بل ومقدسة عند كل المسلمين في أنحاء الأرض، خصوصا وأننا في زمن بدأت تتطاول فيه ريشات الرسامين وأقلام المدعين لحرية التعبير على مقام النبي الكريم في زمن اختلط فيه السعيد بالشقي والبريء بالآثم، وبرزت مقولات اعتبرها البعض أساسيات ليس في حرية التعبير فقط بل حرية الاعتداء والتدمير، وليس في أن نستقبل الذكرى ب''الشيطانة ''1و''الشيطانة ,''2 و''الصاروخ'' و''النمر'' وما إلى ذلك من التسميات الغريبة المنشأ للمفرقعات الخطيرة... لن نتحدث هنا عن خطورة هذه المفرقعات والألعاب النارية على اختلاف مصادرها، إذا علمنا أن مصالح الحماية المدنية أحصت العام الفارط بالعاصمة فقط، إصابة أكثر من 14 شخصا من عائلة واحدة بسبب انفجار أتى على منزل بأكمله، فضلا عن تسجيل تدخلات لإخماد النيران بعديد البلديات ليلة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف... بل الأجدر أن يتبارى الناس كلهم للاحتفال بذكرى مولد النبي بالأدعية والأذكار ليلا ونهارا،.. وتلاوة القرآن سرا وجهرا وبتقديم الصدقات والمعونات تكريما لخاتم الأنبياء على المعوزين والمحتاجين، وليس بمباريات ال''تيتانيك'' التي يفوق سعرها ال 600 دج و''الزنقة'' التي تتجاوز ال 750 دج... بل تستوقفنا ذكرى مولد أعز خلق الله لننظر في تلك الهجمات الظالمة وغير المدروسة واللا واعية التي زادت وتفاقمت منذ مدة، والتي لم تنتج-رغم تفاقمها- هروبا من الإسلام بقدر ما زادت الجميع تعلقا بالرسول الحبيب لفهمه ودراسته ومن ثم إصدار الأحكام فيه، فإذا كان لنا أن نحتفل في هذا اليوم فإن روح الإيمان بالدعوة إلى السلم والسلام هي التي يجب أن تكون رائدنا وموجهنا، لأن سيرة الرسول الكريم ما جاءت إلا تجسيداً ظاهراً متطهراً لخير البشرية جمعاء، وليس بإحراق بيوتنا، وسفك دماء إخوتنا، برجم بعضنا بالمفرقعات قوية المفعول وما إلى ذلك، ولتكن إذا هذه الذكرى التي ينتظرها الجزائري كل عام ليحتفل بها على طريقته الخاصة عبرة وموعظة تحمل البشرى والسعادة، وليس الحزن والمصائب والأضرار البليغة.