تطرح الرسالة التي بعث بها العاهل المغربي محمد السادس للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من خلال الزيارة الأخيرة التي قادت مبعوثه الشخصي ومدير مخابرته إلى الجزائر، الكثير من علامات الاستفهام حول الغاية من وراء هذه الخطوة، خاصة وأن العلاقات الثنائية والدبلوماسية بين البلدين تعرف جفاء منذ فترة طويلة، إذ أكد خبراء أمنيون وسياسيون ل" الحوار" أن نظام المخزن الذي يشعر بعزلة دولية قاتلة يريد لعب أوراق دبلوماسية جديد، بدليل توقيت الخطوة المتزامن مع انتخاب إبراهيم غالي رئيسا للجمهورية العربية الصحراوية، وانعقاد قمة الاتحاد الإفريقي بكيغالي التي يريد المغرب أن تكون الجزائر وسيطا في استعادته لمقعده في هذا الفضاء الإفريقي وهو الذي يدرك جيدا الوزن السياسي والإقليمي الذي تحظى به داخل مؤسسات هذه الهيئة، كما أن التحديات الأمنية ممثلة في تنظيم داعش الإرهابي فرض على المخزن مد يده للجزائر لمجابهة هذا الخطر الذي يهدد الجميع. * المغرب يدرك قوة الجزائر الجيوسياسية وحاجته إليها اعتبر، أمس، الباحث في العلوم السياسية الدكتور بوحنية قوي، في تصريح خص به "الحوار" أن الرسالة التي أتى بها مبعوث العاهل المغربي:" تحمل مضامين دبلوماسية لكونها تأتي في ذكرى الاستقلال وشهر الاستقلال وهي تعبر عن رؤية سياسية لعلاقات عميقة بين الشعبين" ولكنها بحسبه: "مختلفة الرؤى حول قضايا جزئية ولا يمكن أن تشكل عثرة في بناء المغرب العربي". وأكد محدثنا أن المغرب يدرك قوة الجزائر الجيوسياسية وحاجته إليها والجزائر تدرك أن بناء المغرب العربي لا يكون إلا بعلاقات عميقة جزائرية مغربية"، مشددا أن الملفات الشائكة بين البلدين مهمة وتتطلب تعاونا مشتركا ووثيقا وبعيدا عن الحساسيات خصوصا ملفات الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وإحلال الأمن بالمنطقة. وأفاد بيان للوزارة الأولى أن الوزير الأول عبد المالك سلال استقبل الجمعة المبعوث الخاص لملك المغرب, محمد السادس, حاملا رسالة من العاهل المغربي لرئيس الجمهوية عبد العزيز بوتفليقة، كما أشار البيان إلى وجود المسؤول الأول لمخابرات المملكة المغربية ضمن الوفد. وإذا كان رئيس الوفد المغربي هو ناصر بوريطة, الوزير المنتدب للشؤون الخارجية المغربية، فإن مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات المغربية -وهي تسمية مديرية المخابرات المغربية-، ياسين منصوري، كان ضمن الوفد حيث استقبل سلال كل من رجلي المملكة بحضور وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية عبد القادر مساهل والمستشار لدى رئيس الجمهورية مكلف بالتنسيق بين أجهزة الأمن عثمان طرطاق.
* المغرب يحاول العودة للاتحاد الإفريقي من بوابة الجزائر في السياق، قال المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عبد الوهاب بن خليف ل"الحوار" إن هذه الزيارة:"هي محاولة للتقرب من الجزائر خاصة بعد التغيرات التي عرفتها القضية الصحراوية وإعادة انتخاب رئيس جديد للجمهورية العربية الصحراوية ممثلا في إبراهيم غالي المعروف عنه قربه للجزائر بحكم اشتغاله في الجزائر لسنوات عديدة كسفير لدولته"، مردفا أن التطورات الإيجابية التي عرفتها القضية الصحراوية والمكاسب الكبيرة التي حققتها خاصة خلال العامين المنصرمين جعل المغرب يحس بعزلة دولية خانقة وأدرك أنه لا دولة في العالم بما فيها الدول الحليفة له كفرنسا لا يعترف بأحقيته في الصحراء الغربية التي يعتبرونها أراض متنازع عنها ومن الضروري حلها في إطار الأممالمتحدة. في السياق، قال محدثنا إن المغرب أدرك كذلك أن التماطل السياسي الذي بدأ منذ عام 1991 إلى غاية اليوم لا يمكن أن يستمر كثيرا في ظل الضغوطات الدولية عليه لإيجاد حل سياسي للقضية الصحراوية من خلال استفتاء شعبي وفق لوائح الأممالمتحدة، مؤكدا أن هذه الزيارة جاءت وفق هذا المنطق ومن أجل ربح مزيد من الوقت، وأن السياسة الخارجية المغربية تمارس ازدواجية في التعاطي مع القضية الصحراوية، إذ من جهة تبين للمجتمع الدولي بأنها مع حل عادل لكن من جهة أخرى تسعى لفرض الحل المغربي المتمثل في الحكم الذاتي في إطار المملكة المغربية واستبعاد حل الاستفتاء. ويرى بن خليف أن زيارة المسؤول المغربي للجزائر لا يقدم ولا يؤخر وهو موجه للاستهلاك الداخلي والخارجي لا أكثر، دون أن يستبعد إمكانية استغلالها لإعادة منصبه في الاتحاد الإفريقي التي تخلى عنها منذ 1984: "لأن المغرب يدرك جيدا الوزن السياسي والإقليمي الذي تحظى به الجزائر داخل مؤسسات هذه الهيئة، وأنه يعي جيدا أنه خسر المعركة الدبلوماسية في إطار الاتحاد الإفريقي لأن دولا كثيرة في هذا الفضاء تدعم الصحراء الغربية وتعترف بجبهة البوليساريو".
* المغرب يريد تجديد علاقاته مع الجزائر بعد وفاة محمد عبد العزيز من جانبه الخبير الأمني العقيد المتقاعد محمد خلفاوي، قال إن رسالة العاهل المغربي محمد السادس للرئيس بوتفليقة، جاءت : "رغبة من المغرب في تنشيط وتجديد العلاقات الثنائية بين البلدين بعد وفاة الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز وانتخاب الرئيس الجديد إبراهيم غالي الذي طلب المحادثات المباشرة بينه وبين المغرب، الأمر الذي اغتنمه محمد السادس لفتح صفحة مع الجزائر، بالمقابل تدخل هذه الزيارة كذلك في إطار بعث تعاون أمني وسياسي خاصة وأن الأمور عبر الحدود تعرف تطورات هامة"، مؤكدا أن المغرب بزيارته يريد جس نبض الجزائر وحجم استعدادها النفسي لإعادة تسوية للقضية الصحراوية بعد مجيء غالي. وفيما يخص لقاء مدير المخابرات عثمان طرطاق بمسؤول المخابرات المغربي خلال ذات اللقاء، قال محدثنا: "هي محادثات عادية وأمور بورتوكولية خاصة وأن المشاكل الأمنية على الحدود كبيرة جدا، وتدخل كذلك في التعاون الأمني وتبادل المعلومات".
* التحديات الأمنية تسمح للبلدين من تجاوز حالة الجفاء الدبلوماسي وضمن هذا المنوال، تحدث الباحث المغربي الدكتور عبد الإله السطي في تصريح إعلامي له، أمس، أن "التحديات الأمنية التي يجابهها البلدان، لاسيما مكافحة الجريمة الدولية المنظمة والمشاكل المترتبة عن الهجرة غير الشرعية وهو ما يسمح للبلدين من تجاوز حالة الجفاء التي تطبع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين منذ سنين عديدة"، معتبرا أن هذه الزيارة تأتي في سياق " تحركات الدبلوماسية المغربية الأخيرة، مع مجموعة من البلدان الإفريقية الفاعلة ونظرا للدور المحوري للجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، فالمغرب أيضا يريد للجزائر بما تقتضيه التقاليد الدبلوماسية أن تكون شريكا في استعادة المغرب لمقعده داخل الاتحاد الإفريقي". ويبذل المغرب مساعي دبلوماسية بهدف استعادة عضويته في منظمة الاتحاد الأفريقي التي انسحب منها في عام 1984 على إثر انضمام جبهة البوليساريو إليها. وبعثت السلطات المغربية مبعوثا خاصا إلى كينيا إذ التقى مستشار العاهل المغربي ووزير الخارجية السابق، الطيب الفاسي الفهري مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا وعرض عليه رغبة المغرب في استعادة مقعده في الاتحاد الأفريقي بدون شروط مسبقة. نورالدين علواش