مع بداية العد التنازلي لموعد تشريعيات 2017، لا تزال معالم خارطة طريق الأحزاب المنتمية لمعسكر المعارضة لم تتجل بعد، فالتردد الزائد في المقاطعة أو المشاركة فتح المجال واسعا للخوض في العديد من التساؤلات والتأويلات في مصير استقرارها قبل وبعد هذه المحطة، خاصة إن وقع اختيار مؤسساتها على قرار المقاطعة الذي لا محالة سيفتح باب جهنم وزوبعة بداخل هياكلها الحزبية، حسب ما هو مسوق له من طرف بعض الأوساط السياسية المنتمية حتى على نفسها أبو جرة سلطاني التي بدأت في تعكير الجو عليها قبل اتخاذ أي موقف في هذا الصدد، غير أن رؤية هذه الأخيرة مغايرة لهذا الطرح الذي بحسبها يندرج في سياق استراتيجيتها التي يقيدها النظر بعمق للراهن السياسي قبل المغامرة في المشاركة أو المقاطعة. وأن هذه المعادلة مستوحاة من التجارب السابقة التي علمتها النظر من بعيد قبل التموقع في الرهان الانتخابي، في وقت بروز مناورات داخلية تهدد كيانها في الصميم. في الوقت الذي تسارعت فيه الأحداث على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، قابلتها مواقف متضاربة قبل أوانها أدخلت الطبقة السياسية في دوامة الحملة الانتخابية المسبقة للاستثمار الميداني للقاعدة الشعبية التي أصبحت هاجسا لها بعدما طغى العزوف على الفعل السياسي، ما جعل البعض منها يتردد في اتخاذ موقف حاسم ونهائي من هذا الموعد، خاصة بعد بروز عوامل جديد في الميدان، أهمها القوانين الجديدة الناظمة للحياة السياسية. وفي هذا الصدد ارتأت "الحوار" ترصد مواقف وآراء معسكر المعارضة باختلاف انتماءاتهم الإيديولوجية لمعرفة نظرتها حول هذه المعادلة.
* حمس: الانقسام قد يحدث في بعض النماذج الحزبية التي شوهت العمل السياسي قال أبو سراج الذهب طيفور، الامين الوطني للشؤون السياسية والاقتصادية بحركة "حمس"، خلال رده عن سؤال "الحوار" عن إمكانية حدوث انشطارات داخل أحزاب المعارضة في حال قررت هياكلها مقاطعة التشريعيات: "قد يكون ذلك صحيحا بالنسبة لبعض الأحزاب التي يتعلق مناضلوها بالانتخابات فقط، وأعتقد أننا لا يمكن تعميم هذا الحكم على جميع الأحزاب، ومن العجز والضعف السياسي ان يحصر حزب نفسه وقراره في خيار واحد، او ان يضع بيضه كله في سلة واحدة، بل من طبيعة الحزب السياسي اتقان فن المناورة وفن الممكن وفن استخدام عناصر القوة المتوفرة لديه استخداما يحقق به الأهداف ويقفز بها على التحديات"، مؤكدا: " فإذا قررت مؤسسات الحزب أي خيار المقاطعة او المشاركة، فالنضالية تقتضي الالتزام والانضباط واحترام رأي الأغلبية وليس التسويق او التهديد بالانشقاق أو الانقسام والتصحيحيات كما هو الحال في بعض النماذج السياسية التي شوهت العمل السياسي وأضعفته استسلاما لأنانيات سياسية تخدم المصالح الشخصية ولا تنتصر للمصلحة العامة مهما كانت المبررات التي تسوق بها رأيها او خروجها عن حالة الإجماع، فالاستحقاق القادم بحسبه ليس مجرد انتخابات عادية لأنه يقع في ظروف صعبة تمر بها البلاد والمنطقة، مما يتطلب جمع القوى ورصها وليس تفكيكها رغبة في ضمان نصاب البقاء في الحكم.
* الإصلاح: إمكانية حدوث انقسامات داخل المعارضة تعود إلى خصوصية كل حزب اعتبر، أمس، رئيس حركة الإصلاح الوطني فيلالي غويني، في تصريح خص به "الحوار"، أن الحديث عن تقسيم وانشطار يمكن أن يحدث داخل أحزاب المعارضة في حال لم تقرر مؤسساتها الحزبية المشاركة في تشريعيات 2017، سابق لأوانه: "انقسامات في الرأي والمواقف وارد، لأنه ذلك قد حدث سابقا في الأحزاب، ومدافعة كل طرف عن فكرته طبيعي جدا، البعض سيدافع عن قرار المشاركة والبعض الآخر يدفع نحو المقاطعة، هذه الديمقراطية" مؤكدا: "في هذه الحالة، هنالك الإطار الذي يطبخ فيه القرار النهائي حول المشاركة أو المقاطعة، وهو المؤسسات الوطنية، ثم تنفذه قيادة الحزب التي تلترم بالضرورة بقرار الأغلبية لأن هنا تكمن طبيعة العمل المؤسساتي". فيلالي غويني، وخلال حديثه ل "الحوار"، أكد ان القرار النهائي لأي حزب حول الانتخابات، يمكن ان يظهر للبعض انه قرار غير صائب، حيث يمكن أن تحدث في هذه المعادلة، حالة من اللا انضباط داخل الحزب وتسوء طبيعة الانسجام، معتبرا ان إمكانية حدوث انشطارات تعود إلى خصوصية كل حزب، فالذي يملك غالبية تدفع للمشاركة سيشارك والذي يملك غالبية تدفع للمقاطعة سيقاطع.
* جيل جديد: أي حزب لا يستطيع التصدي للضغوطات الداخلية لا يمكنه حكم البلاد بدوره، رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، يرى ان الرجل الأول في اي تشكيلة سياسية لا يستطيع التصدي لضغوطات قاعدته النضالية لا يمكن أن يحكم مقاليد البلاد التي تتطلب تحمل كبير لضغوطات اكبر بكثير، حيث قال خلال رده عن سؤال "الحوار" حول موقفه من الحديث عن انشطارات قد تحصل في أي لحظة داخل أحزاب المعارضة في حال لم تقرر مؤسساتها الحزبية المشاركة في التشريعيات المقبلة: "ممكن جدا حدوث انشطارات في أحزاب المعارضة في حال تبنت قرار المقاطعة، اي مسؤول سياسي لا يستطيع التصدي للضغوطات التي يمكن ان تأتيه من الاطارات والقاعدة النضالية، كيف يمكن أن يتصدى للضغوطات التى تأتيه من اللوبيات والجهات الخارجية في حال انتخب ليحكم مقاليد البلاد، رئيس الحزب الذي لا يستطيع التصدي للضغوطات الداخلية لحزبه، لا يمكنه حكم البلاد، وبالنسبة لنا فإن المكتب الوطني سيحدد موقفه النهائي من التشريعيات المقبلة، في شهر اكتوبر، وإذا لم يتغير المناخ السياسي والقوانين المحددة للعملية الانتخابية المشاركة بالنسبة لنا غير ممكنة، وشخصيا لا ارى الأفق السياسي يبشر بالخير".
وتطرق محدثنا إلى العوامل التي تقف عائقا في وجه المعارضة للاتفاق حول موقف موحد ازاء هذا الموعد الانتخابي الهام: "كل حزب سياسي معارض يبني موقفه من التشريعيات بتحليل الوضع، البعض يرى أنه لم يتغير شيء فآليات التزوير نفسها، والاتجاه الرسمي واضح ويعمل بطريقة مصطنعة للوصول الى مجلس تشريعي على المقاس، أما البعض الآخر فيرى ان المشاركة تبقى دائما أحسن".
* الأرسيدي: نحن في مؤمن من أي تصدع داخلي ولا خوف علينا وأكد من جهته المكلف بالإعلام بحزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية، الارسيدي، عثمان معزوز، أن تشكيلته الحزبية في "مؤمن" من أي تصدعات أو انشقاقات داخلية قد يتعرض لها الحزب المعارض في حال اتخاذ قرار مقاطعة الاستحقاقات التشريعية المقبلة، كما هو مسوق له من طرف بعض الأوساط السياسية، وقال معزوز أمس في اتصال هاتفي مع "الحوار" إن الارسيدي "لا يخاف" وغير "قلق" من مثل هذه المناورات التي ليست من ثقافة حزبه ولا من ثقافة مناضله، لأنه بكل بساطة محمي ومحصن بقرارات ديمقراطية نابعة من هياكل شرعية منتخبة في جو ديمقراطي، ويضيف قائلا "إن مثل هذه الممارسات تخص فقط تلك التشكيلات الحزبية التي لا تحترم مبادئ المداولة على مقاليد المناصب الداخلية لها في إطار ديمقراطي شفاف ونزيه" دون أن يذكر بالاسم أي تشكيلة حزبية كانت. ونفى معزوز وجود أي قرارات قد اتخذها الارسيدي من قبل دون إشراك قاعدته النضالية وهياكله الشرعية المنتخبة في إطار ديمقراطي مبني على الحوار والتفاوض والتشاور من اجل اتخاذ قرارات ترضي القاعدة النضالية للحزب ولقيادته الشرعية.
* النهضة: انشطار أحزاب المعارضة ممكن.. ولكن ليست نتيجة حتمية وحول الموضوع، قال عضو مجلس الشورى الوطني لحركة النهضة يوسف خبابة، ل"الحوار" عن موقف حزبه من القائلين بأن أحزاب المعارضة ستتعرض لانشطارات كبيرة وانقسامات في حال قررت مؤسساتها مقاطعة التشريعيات: "هذا من التخمينات الإعلامية، وهي ممكنة في بعض الحالات، ولكنها ليست نتيجة حتمية، فكثير من الاحزاب في المعارضة قاطعت الانتخابات الرئاسية والمحلية ولم يحدث فيها ما تقول، ولكن كما ذكرت لك اعتقد ان الاصل هو المشاركة في الانتخابات، وأن المتحججين بضرورة توفير الشروط المثلى للمنافسة النزيهة كشرط في المشاركة يقتضي مزيدا من الجهد والنضال، وأظن أن سياسة الكرسي الشاغر لا تحقق هذا الشرط.. ولكن في المقابل فإن المعارضة مطالبة ببذل المزيد من الجهد المشترك والتنسيق لتوفير شروط النزاهة والشفافية للاستحقاقات الانتخابية" مردفا "وكما تعلمون فإن التحديات الجديدة التي افرزها قانون الانتخابات الأخير يقتضي التفكير في كيفيات مبتكرة وفعالة للمشاركة في الانتخابات، فالمشاركة المنفردة للأحزاب التي تتقاسم نفس المرجعية هي فشل في حد ذاته، وتشتيت للوعاء الانتخابي لهذا التيار، وخسارة كبيرة للأصوات والمقاعد قبل الحديث عن التزوير، فينبغي لقادة الأحزاب التفكير مرتين قبل أن تقرر المشاركة منفردة وأتوقع ان تنسيقا يتم الآن في هذا الموضوع، وستكون نتائجه طيبة، وربما هناك من يريد المغامرة منفردا، فيتحمل المسؤولية في ذلك".
* القواعد الحزبية مكون أساسي للقوى الحزبية ومن الضروري مراعاة رأيها
ورد محدثنا حول الحديث عن أن مؤسسات الاحزاب المعارضة تتخذ قراراتها حول المشاركة من عدمها تحت ضغط القاعدة، بالقول: "القواعد الحزبية مكون أساسي للقوى الحزبية، ومن الضروري مراعاة رأيها في الموضوع وفتح نقاش معها، لأنها هي الآلة الانتخابية لكل حزب. وبالتالي فكل حزب يريد خوض الانتخابات لا بد له من إقناع وحشد قواعده النضالية المحلية لتحقيق اكبر قدر من الأصوات، والسماع لرأي القواعد والأخذ برأيها في هذه الاستحقاقات لا يعد خضوعا لها". ليرجع تأخر مواقف أحزاب المعارضة حول التشريعيات إما المشاركة أو المقاطعة: "في تقديري.. أحزاب المعارضة غير متأخرة في دراسة الموضوع، وهو يتطلب دراسة متأنية غير مرتجلة من قبل مؤسسات الأحزاب. فهناك مجالس وطنية ستعقد. وهناك جامعات صيفية ستعالج هذا الموضوع، وكذلك هناك مشاورات بين أحزاب المعارضة حول نفس الموضع، وبطبيعة الحال إنما أسست الأحزاب لتشارك في الانتخابات وليس العكس، والمقاطعة حالات استثنائية وليست أصلا. وأعتقد في تقديري الخاص أن الوضع الداخلي والإقليمي سيكون أهم العناصر المحددة لقرار خوض الانتخابات المقبلة وكيفيات ذلك". نورالدين علواش/ جمال مناس