إعلامي مخضرم عاش تجربة التعددية الإعلامية منذ بزوغها، تقلد عدة مناصب عبر عدة مؤسسات إعلامية من صحفي إلى رئيس تحرير ومدير.وبعد 25 سنة من الممارسة الإعلامية، خرج بخلاصة أن الإعلاميون يجب أن ينظموا أنفسهم لإخراج القطاع من التبعية ل"الشكارة".وفي هذا اللقاء الذي جمعه ب"الحوار" أشاد الإعلامي سليمان جلواح بجريدة "الحوار" وطاقمها بقوله أنها منتوج إعلامي متنوع وجاد. حاورته: سامية حميش _ولجت عالم الصحافة في سنوات الانفتاح الإعلامي التي تزامنت مع العشرية السوداء،كيف عايشت تجربة التسعينات؟
خرجنا من أحداث أكتوبر 1988، وكلنا أمل أن تتجه الجزائر إلى الديموقراطية والتعددية السياسية وحرية الإعلام، لكن لم يمر وقت طويل حتى دخلت البلاد في نفق العشرية السوداء، والتي دفع الصحافيون خلالها ثمنا باهظا. في تلك الحقبة كنت صحفيا في جريدة الخبر اليومية، وأنشط حصة في الإذاعة الوطنية ، وذات يوم ، بينما كنّا في بهو دار الصحافة بأول ماي (طاهر جاووت حاليا ) سمعنا صوت الرصاص ، ومن ثم جاءنا خبر اغتيال رئس تحرير الخبر الزميل عمر أورتيلان . عمر ، لم يكن الأول ولا الأخير ، كل يوم اغتيالات وجنون ، غير أن الإعلاميين متحدين و شعارهم واحد "لا للإرهاب "، وكانوا يقفون صفا واحدا في وجه التطرّف والإرهاب الهمجي من أجل الحفاظ على المكاسب الديموقراطية وحرية الإعلام ، وهو ماكلفهم الكثير .
_ما هو الدرس الذي خرج به الإعلاميون الجزائريون برأيك من هذه السنوات؟ الإعلاميون في العشرية السوداء كانوا إلى جانب الأحرار والغيورين على هذا الوطن يدافعون بشراسة عن الجزائر وقيم الجمهورية و الديموقراطية ،وكان هدفهم آنذاك الحفاظ على وحدة الجزائر، والتصدي بأقلامهم للظلاميين والمجرمين الذين يسعون لتحقيق أهدافهم ولو كان ذلك على حساب البلد وتماسكه. ومن هذا المنطلق، فهم ساهموا في تحقيق الهدف النبيل والمتمثل في خروج الجزائر من دائرة الخطر، ولو كانت للعشرية السوداء آثار سلبية انعكست على الإعلام و القطاعات الأخرى، والمهم أن الجزائر لا تزال واقفة . _بعد 25 سنة من الممارسة، تنقلت فيها بين مختلف المناصب والمؤسسات الإعلامية، كيف تجد المشهد الإعلامي اليوم؟ أعتقد أن حرية الإعلام في الجزائر ، بحاجة إلى المزيد من التطور لكن نحن بحاجة أيضا إلى أن ينظم الإعلاميون أنفسهم وأيضا تنظيم القطاع وإخراجه من التبعية ل"الشكارة" ، أكثر مما نحن بحاجة إلى حرية ، فالحرية تؤخذ ولا تعطي ، وقطاع الإعلام قدم الكثير ، لكننا اليوم وجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة. أعتقد أن الزملاء يشاطروني الرأي، ما فائدة حرية الإعلام إذا كان المشرف على المؤسسة الإعلامية ليس له علاقة بالإعلام ، أو أن هذه الجريدة أو تلك تطبع 2000 نسخة و لا يزيد طاقمها عن 5 صحفيين ، تعتمد "النسخ واللصق " ، و تعيش عالة على الإعلام ، في حين مدا خيل دعم الدولة و الإشهار العمومي تذهب إلى جيوب المدير أو مالك الجريدة ! أعتقد أننا بحاجة إلى دعم المؤسسات التي تكون وتشغّل الصحافيين، وليس مصاصي دماء الصحفيين !! وحين نفرغ من ذلك (أي ننظم القطاع )، نتحدث بعدها عن كيفية تطوير حرية التعبير . وممّا لا شك فيه أن أي تطور في هذا القطاع يكون مرتبطا بالتضامن بين الصحافيين والتواصل داخل الأسرة الإعلامية، وذلك من خلال العمل النقابي لأجل ضمان حقوق الصحفيين وكذا مناقشة الأطر الأخلاقية والمهنية و كذا مستقبل المهنة وفقا لأسس المهنية والمعايير الدولية. فالهدف الرئيس لأي مؤسسة إعلامية ليس كسب المال، إنما المصداقية و الموضوعية وتكوين الصحافيين وذلك لا يكون بالنسخ واللصق، إنما بالعمل الميداني والنشاط الدائم والرغبة الملحة في التميز و البروز وطنيا وإقليميا وحتى دوليّا .
__تسجل تقارير المنظمات وجود تضييق على الصحفيين، هل تراجع سقف الحريات في الجزائر برأيك؟
وبالعودة إلى سؤالك، فالمنظمات الدولية تصدر تقارير دورية عن حرية الصحافة في بلدان العالم ، لكن مثل هذه التقارير قد تعطينا فكرة عن حرية الصحافة في بلد ما ، و ليست مرآة عاكسة ! فالإعلام في الجزائر ضحية صراع الصحافيين فيما بينهم ، لتجاذب المصالح ، ومحاولات السلطة المستمرة وضع يدها على الإعلام . وهو ما يفسر بغياب نقابات مستقلة وقوية لها كلمتها . وكل مانراه عمل نقابي فلكلوري ونقابات تكتفي بإصدار البيانات ، حتى حين يتعلق الأمر بمصالح الصحفيين ومصيرهم . وهو ما انعكس سلبا على أخلاقيات المهنة والمادة الصحفية والمصداقية ، ونرى اليوم إعلام يعيش عِصر الانحطاط ، بعدما كان يضرب به المثل من حيث الحرية و المهنية . و أعتقد أن حتى السلطة ذاتها ليس من صالحها أن يكون في البلد 180 نشريه ومعظمها مرتجعات ، فكان يجب أن نخلق من هذا الكم الهائل منافسة شريفة و رأي وطني ونقاش ، ونقوم بحملات إعلامية كلما استدعت مصلحة الوطن ذلك على غرار ما يحدث في البلدان التي سبقتنا في هذا الحقل . من جهة ثانية فرضت حرب المصالح ظهور أبواق معروفة بتسويد كل ما هو أبيض في الجزائر، لأجل تحقيق مصالح ضيقة ، وهي بذلك تنظر إلى الأمور من زاوية واحدة ، وتحاول التأثير على التقارير التي تعدها المنظمات الدولية . ولكي أكون واضحا ، كان الصّراع في بداية التعددية الإعلامية بين الظلامية والفكر الحر، وحاليا تحول إلى صراع على المصالح والإشهار العمومي. وقد برز ذلك في القضية التي أسالت الكثير من الحبر مؤخرا، فمجمع الخبر الذي يعتبر صرحا إعلاميا كبيرا، دفع الثمن غاليا للوصول إلى ما وصل إليه الآن من تطور، ما كنّا ننتظر يجد نفسه عرضة للبيع !!
__هل تعرض سليمان جلواح خلال مسيرته الإعلامية إلى ضغوطات الرقابة؟
في الحقيقة تعرضت أثناء مسيرتي المهنية لبعض الضغوطات ، لكن أبرزها من أصحاب وملاك المؤسسات الإعلامية . ولعل آخرها، حين كنت مدير تحرير في يومية وطنية لمدة ثلاث سنوات ، فقد وجدت نفسي أمام مدير ليس له أي علاقة بالإعلام ولا بالصحافة ، فقد كان مقاولا و"بائع بصل" .. لا أدري ، وبقدرة قادر وجد نفسه على رأس جريدة !! حدث أن نشرت تغطيةً إعلامية لنشاط السيد علي حداد فوجدت المدير يوبخني ، ويصرخ " لا أريد أن أرى هذا الرجل (حداد) يتربع على الصفحة الأولى بجريدتي !! وبعدها عرفت منه لما كان هذا المدير مقاولا "تعرض للإقصاء من طرف حداد " !! .. ذات الشيء حدث لما نشرت تغطية لمشاركة وزير خارجيتنا رمطان لعمامرة مع زعماء العالم في باريس ، بعد أحداث شارل إيبدو . وتكرر نفس السيناريو لما فوجئت بهذا المدير العام ينشر إعلانا في الجريدة أثناء عطلتي المرضية، تضمن دعوة صريحة لمشاهدة برنامج في قناة تبث برامجها من الخارج ، ينشطه "رؤوس الفتنة" ومنظري الإرهاب يدعون فيه إلى ربيع عربي في الجزائر، وهي الأسباب التي جعلتني أكره الصحافة !.. لقد دفعنا الثمن غاليا وجاء اليوم من يمجدون أعداؤنا بالأمس ومن اغتالوا القلم !! والحقيقة تقال ، فقد اشتغلت في جرائد كثيرة كمتعاون و صحفي و رئيس تحرير ومدير تحرير( الإذاعة ، الخبر ، المشوار ، نيسة ،المحور ، الصحافة ، el Watan ، أخبار اليوم ، الحياة ، المشوار ، الديار )، ومن خلال تجربتي هناك صحف جادة هي منابر حقيقية للإعلام الحر تحاول التميز و البروز ، وأخرى راكدة وجامدة ، لا يهم أصحابها وملاكها الإعلام والحريّة و أوضاع الصحفيين بقدر ما تهمهم مصالحهم الخاصة والإشهار العمومي ! .. هذه أحوال الصحافة في بلادنا !