رغم أن جل الأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي قد رفعت سقف خطابها المعارض عاليا، وشككت في مصداقية السلطة بتنظيم انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، إلا أن هذه الأخيرة تراجعت سريعا عن تصريحاتها تحت ضغط القاعدة النضالية، معلنة تباعا عن قرار مشاركتها في الانتخابات التشريعية المقبلة بداعي عدم ترك الساحة فارغة للموالاة تسبح فيها كيفما تشاء، فاتحة بذلك باب التحالفات الاستراتيجية بين أبناء هذا الفصيل السياسي، خاصة على مستوى الولايات. توالت في الآونة الأخيرة إعلانات الأحزاب الإسلامية، بالمشاركة في التشريعيات المقرر إجراؤها نهاية الشهر الأول من الثلاثي الثاني من 2017، حيث عودتنا هذه التشكيلات على المشاركة في أي استحقاق انتخابي مر على البلاد، الا في حالات نادرة جدا، حيث خرج المجلس الشوري الوطني لجبهة التغيير ليكشف عن قرار المشاركة في هذا الموعد المصيري، معلنا عن الاستعداد لعقد التحالفات الممكنة والمحققة للمصلحة الوطنية وأهداف الجبهة، كما أعاد طرح مبادرة تجاه الطبقة السياسية من أجل التعاون على حماية الديمقراطية من التزييف ومواجهة مخططات التزوير المحتملة والحفاظ على الإرادة الشعبية من التلاعب. وعلى عكس جبهة التغيير، فإن حركة مجتمع السلم، التي كانت من بين أهم الأحزاب التي شككت في القوانين الناظمة للحياة السياسية، خاصة بعد دخول قانون الانتخابات الجديد حيز النفاذ الذي لم يرق لها، والتأثيث للهيئة المستقلة العليا لمراقبة الانتخابات التي لم تكن من بين مطالبها، وبعد أن قطعت أشواطا مهمة في طريق "المقاطعة" إلا أن ضغط القاعدة النضالية والقيادات المصطفة مع المشاركة جناح سلطاني جعلها تتخبط في مواقفها لتنزوي في النهاية إلى سلة المشاركة، وساقت العديد من المبررات لموقفها هذا، والذي كان محل انتقادات لاذعت من قبل الكثيرين، لكن على النقيض كانت أحزاب إسلامية أخرى منذ مدة طويلة مع قرار مشاركتها في الموعد، على شاكلة حركة البناء الوطني التي طرحت نفسها كبديل إسلامي جاهز على السلطة، وهو الشأن كذلك لحركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة، ليبقى عامل الزمن فقط الذي سيكشف عن قرار مشاركة جبهة العدالة والتنمية.
* الأحزاب الإسلامية للتحالف حول برنامج مشترك وتوافقات مبدئية في السياق، اعتبر الأمين العام لحركة البناء الوطني، أحمد الدان، أن إعلان أحزاب التيار الإسلامي كلها عن قرار المشاركة في الانتخابات القادمة هو تعبير عن مستوى متقدم من الإحساس بالوطنية والحرص على الجزائر، وتفويت الفرصة على الأجندات التي تدفع إلى مربع التّأزيم، كما انه تعبير عن الثقة في مسارها النضالي وعلاقتها مع المواطن، وهذا ما يجعل العملية الانتخابية تشهد مشاركة افضل، مضيفا: "أعتقد أن ظاهرة المشاركة بالنسبة للإسلاميين كانت أصلا في الممارسة السياسية منذ انطلاق التعددية، ولكن حاجة الوضع الى المشاركة الواسعة لا تعني أبدا مبرر الخطاب الاستعلائي الذي سمعناه من بعض نواب الأغلبية في مناقشة قانون المالية، وأن المشاركة هي حالة يحتاجها الوطن، والمخلصون للجزائر يدركون قيمة المشاركة السياسية للأحزاب ذات الامتداد الشعبي في تشكيل جدار تأمين المستقبل، وهناك اتصالات بين مختلف مكونات التيار الإسلامي، ولمسنا الحرص على استقرار البلاد والبحث عن مخارج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وستستمر في السموات القادمة". وحول التحالفات، قال محدثنا: "هناك حوار جاد ومسؤول بين مجموعة من الأحزاب لأجل التحالف انطلاقا من التشريعيات القادمة حول برنامج مشترك وتوافقات بين أطراف التحالف في مختلف مراحل العملية الانتخابية، ونعتقد ان هذا التحالف ستلتحق به أحزاب أخرى ممن لها حضور في الساحة الوطنية على المستوى القاعدي النضالي والجماهيري الانتخابي"، مشددا: "هناك رؤية استراتيجية للتحالف للخروج من الأزمة، ما يتطلب حوارا متعدد الأطراف بعد الانتخابات لتجميع القوى الوطنية في خدمة الخروج من الأزمة بدل البقاء في مربع النقد والتلاوم، ونعتقد ان السلطة أصبحت تدرك ضرورة العمل المشترك وفق أهداف مرحلية تهدد الدولة. وهناك امكانية تحالفات انتخابية تتحدث عن بناء مشترك للقوائم الانتخابية حسب الدراسة المشتركة لوعاء كل حزب في الولايات والتوافق حول نسق المشاركة وصيغة التحالف عبر إعلان وطني وحوارات ولائية ووطنية حول الإجراءات".
* تحالفات في الأفق بين الأحزاب المنتمية لمدرسة الشيخ نحناح من جانبه، المكلف بالإعلام في حركة مجتمع السلم، بن عبد الله بن عجايمية، أشار في حديثه ل"الحوار" حول وجود تحالفات بين التيار الإسلامي في الأفق: "طبعا نحن قررنا في مجلس الشورى الأخير أن تدخل الحركة في تحالفات انتخابية مع كل الأحزاب، مع أولوية التيار الإسلامي ومدرسة الشيخ محفوظ نحناح، غير أننا في الوقت ذاته تركنا الأمر بالتشاور والتنسيق ما بين الولايات، ونحن نرحب بأي رغبة في التحالف الذي يخدم الأحزاب المتحالفة والمصلحة العامة للبلد". وعن الأحزاب الأقرب لكون حليفة حمس، رد محدثنا: "نحن فتحنا التحالف مع الجميع، لكن عائلتنا الطبيعية والأقرب إلى أفكارنا هي الأحزاب الإسلامية، ومنفتحون جدا على هذه النقطة، ولكن هذه المرة تركنا الأمر بالتنسيق والتشاور مع الولايات". كما أشار القيادي في ذات الحركة ناصر حمدادوش إلى أن مجلس الشورى الوطني للحركة فتح المجال لهذه التحالفات الانتخابية، بما يقوي فرص النجاح للمشروع، أما التحالفات الاستراتيجية فالحركة بارعةٌ في نسجها والاشتغال الدائم عليها.
* أرزقي فراد: الأحزاب الإسلامية شاركت لتتقي شر الانفجار الداخلي واعتبر الناشط السياسي الدكتور أرزقي فراد، أن قرار الاحزاب الاسلامية بالمشاركة في الانتخابات جاء تحت ضغط القاعدة: "الأصل في السياسة أن الأحزاب تسعى من اجل المشاركة في السلطة، إذا قرأنا العمل السياسي قراءة أكاديمية، ولكن في الميدان شيء آخر، لأن اللعبة السياسية مغلقة، وفي الأصل كذلك أن المقاطعة عبارة عن سلاح لا يوظف الا في الظروف الاستثنائية فقط، لكن في ظل الأوضاع الحالية والواقع السياسي الجزائري المشاركة أو المقاطعة أمران أحلاهما مر، لأن المشاركة ونحن نعي جيدا وجود تزوير أمر لا يليق والمشاركون لا يجب أن يعلنوا بعد الانتخابات أنهم ظلموا وضغط القاعدة لا يسمح في الكثير من المرات بالمقاطعة". وحول التباين الكبير في التصريحات التي تبنتها قيادات الاحزاب المعارضة المتناقضة تماما مع قرار المشاركة، رد محدثنا: "لا نستغرب ذلك، لأن قيادات هذه الاحزاب تعاني من ضغوط القاعدة، وبالتالي قرارها بالمشاركة نابع من اتقاء شر الانفجار الداخلي، خاصة انها تعلم ان نفس الاجراءات ستشوب الانتخابات التشريعية المقبلة". نورالدين علواش