(جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) تقديم الأستاذ: موسى عبد اللاوي إخواني: إنني أراكم في علمكم واستقامة تفكيركم لم تنتخبوني لشخصي، وإنما أردتم أن تشيروا بانتخابي إلى وصفين عُرِفَ بهما أخوكم الضعيف هذا، 1 – الأول إنني قَصَرْتُ وقتي على التعليم، فلا شغل لي سواه، فأردتم أن ترمزوا إلى تكريم التعليم إظهاراً لمقصد من أعظم مقاصد الجمعية وحثاً لجميع الأعضاء على العناية به كل بجهده. 2 – الثاني: أن هذا العبد له فكرة معروفة، وهو لن يحيد عنها ولكنها – أي الفكرة – يبلغها بالتي هي أحسن، فمن قبلها فهو أخ في الله، ومن ردّها فهو أخ في الله، فالأخوّة في الله فوق ما يُقْبَلُ وما يُرَدُّ، فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى هذا الأصل، وهو أن الاختلاف في الشيء الخاص لا يمس روح الأخوة في الأمر العام. – لقد كان ابن باديس ورفاقه أعضاء جمعية العلماء، من الحصافة بمكان، حيث أبدوا أشياء وأضمروا أخرى، مكتفين في تصريحاتهم الرسمية بإعلان الدعوة إلى الإصلاح الديني والتعليمي حذرًا، فقد جاء على لسان رئيسها: (أن الجمعية يجب أن لا تكون إلا جمعية هداية وإرشاد، لترقية الشعب من وهن الجهل والسقوط الأخلاقي، إلى أَوْج العلم ومكارم الأخلاق، في نطاق دينها الذهبي وبهداية نبيها الأمي، الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، عليه وآله الصلاة والسلام، ولا يجوز بحال أن يكون لها بالسياسة وكل ما يتصل بالسياسة أدنى اتصال، بعيدة عن التفريق وأسباب التفريق..). ويضيف ابن باديس قائلاً: (إن المسلمين هم السواد الأعظم في وطنهم، فإذا تثقفوا بالعلم، وتحلوا بالآداب، وأُشْرِبُوا حبّ العمل، وانبعثت فيهم روح النشاط، كان منهم كل خير لهذا الوطن وسكانه على العموم، بما يُسرّ به الحاكم والمحكوم). ويختصر لنا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مهمة الجمعية بقوله: (إن المهمة التي تقوم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأدائها، وهي السير بهذه الأمة إلى الحياة عن طريق العلم والدين، هي أقوم الطرائق وأمثلها وأوفقها لمزاج الأمة..). ويمكننا القول: بأن الجمعية ركّزت في مراحلها الأولى على الأهداف التالية: 1 تصحيح المعتقدات الفاسدة، وتنقيتها من الخرافات والبدع، وتطهيرها من مظاهر التخاذل والتواكل. 2 محاربة الجهل بتثقيف العقول، والرجوع بها إلى القرآن والسنة الصحيحة، عن طريق التربية والتعليم. 3 المحافظة على الشخصية العربية الإسلامية للشعب الجزائري، بمقاومة سياسة التنصير والفرنسة التي تتبعها سلطات الاحتلال. والشيء الذي تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو أنه رغم أن الفصل الثالث من القانون الأساسي للجمعية، يحرّم عليها الخوض في المسائل السياسية، إلا أن هذه الأخيرة قد تركت لأعضائها كامل الحرية للخوض في السياسة، بصفتهم الشخصية لا بوصفهم أعضاء فيها، حفاظًا على كيان الجمعية واستمرار مسيرتها.
ثانيا: دور صحافة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عملية التربية والإصلاح فبالرغم من سياسة الإقصاء التي تعرَّضت لها الجمعية والتضييق على نشاطاتها، إلا أنها أصدرت صحفاً عدة، تعبِّر عنها مثل: "السنة النبوية"، و"الشريعة المحمدية"، و"الصراط السوي"، و"البصائر". نعم، ما إن قام دعاة وعلماء الإصلاح في الجزائر بحملتهم الإصلاحية الشاملة مدة من الزمن حتى تنبّهوا إلى الدور الخطير والمهم الذي يمكن أن تلعبه الصحافة في الخروج بالدعوة الإصلاحية التي شرعوا فيها، من حدود المدن التي كانوا يمارسون فيها دعوتهم إلى مستوى جمهور الوطن الجزائري كله..وكان ذلك نابعا من أمرين اثنين: أولهما: اتصالهم وتأثرهم بالحركة الفكرية في المشرق، والتي كان لها صحفها الخاصة. * ثانيهما: الأعداد الكبيرة للصحف التي أنشأها المستوطنون أو التي كانت تصدر في فرنسا وتوزع في الجزائر . فمن بين الإنجازات المهمة الكبرى التي أنجزتها وحققتها جمعية العلماء المسلمين، في بداية مشوارها إصدار جريدة البصائر، فقد كان لتأسيس جريدة البصائر الغراء في سنة 1935، والتي كان شعارها الثالوث المقدس: " الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا". نعم فقد كان لصدور جريدة البصائر في تلك الفترة الحالكة السواد أثرا كبيرا في نفوس الجزائريين واعتبروها كسلاح ذو حدين في وجه محاولات الاستعمار الرامية إلى القضاء على اللغة العربية، وبصدورها تم القضاء على الفراغ الثقافي المهول الذي كان سائدا آنذاك، وبذلك يمكن القول إنه بصدورها وإبرازها للوجود كجريدة رائدة انتعشت الثقافة العربية بالجزائر والفضل في إحيائها يعود بالدرجة الأولى إلى الدور الذي لعبه رائد النهضة الجزائرية الحديثة: الإمام عبد الحميد بن باديس وإلى نخبة من العلماء الأفاضل ورجال الدين وبعض الزوايا وغيرهم، فجميعهم ناضل وجاهد جهاد الأبطال لإحياء الإسلام واللغة العربية. وتعتبر جريدة "البصائر" من أهم الجرائد في الجزائر في ذلك العهد من حيث الكتابة والمواضيع المهمة التي كانت تتناولها بالتحليل والتعليق، وأهميتها تعود بالدرجة الأولى إلى الطاقم المشرف عليها وعلى تحريرها زيادة على طبعها وإخراجها في شكل أنيق وجميل، وقد استمرت في الصدور من عام 1935 إلى عام 1956، حيث أوقفتها سلطات الاحتلال الفرنسي عن الصدور إبان قيام ثورة التحرير الوطنية الكبرى.
ثالثا: دور جمعية العلماء على المستويين الداخلي والخارجي في عهد الاحتلال آنذاك من حيث الاهتمام بنشر الوعي والدعوة إلى الإصلاح مما لا جدال فيه، أن من يعود إلى جريدة "البصائر" الغراء في عهد الاحتلال الفرنسي وإلى مضامينها وما كانت تنشره بين صفحاتها من مختلف المواضيع، فإنه يجد أنها فعلا في المستوى المطلوب، مما يدل دلالة واضحة أن لجمعية العلماء المسلمين مواقف مشرفة تجاه عديد من القضايا العربية، الإسلامية والدولية، وخاصة القضايا العربية التي أخذت حيزا كبيرا من الكتابات والتحاليل، ولعل ما كتب عن قضية فلسطين الجريحة وقضايا تونس والمغرب وسوريا ولبنان، إلى جانب الحديث عن القضايا الإسلامية، كقضية باكستان وإندونيسيا وغيرها من القضايا التي تناولتها وتطرقت إليها جريدة "البصائر" بالكتابة والتعليق عليها، لخير شاهد على ما قدّمته "جمعية العلماء" من جلائل الأعمال خدمة للقضايا العربية والإسلامية المطروحة على الساحة السياسية آنذاك. ولعل ما كتبه ابن باديس والبشير الإبراهيمي عن قضية فلسطين يغنينا عن كل تعليق، مما يدل على مدى اهتمام علماء الجزائر ومفكريها ومؤرخيها بالقضايا العربية والدولية مع أن الجزائر كانت ترزح تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الغاشم، إلا أن ذلك لم يمنع عظماء جمعية العلماء من الكتابة والتعبير عن تضامنها اللا مشروط تجاه القضايا العربية منها والعالمية على حد سواء. رابعا: المضامين والمواضيع في صحافة الجمعية ابن باديس الإمام الصحفي * إضافة إلى صحف وجرائد الجمعية، فقد كانت لابن باديس جرائده الخاصة، كما هو حال أبي اليقظان كذلك، وسيأتي ذلك في موضعه. ففي مقال في جريدة "الشهاب"، كتب ابن باديس تحت بند" الوطن" قائلا: (وأعلن "الشهاب" من أول يومه، و"المنتقد" الشهيد من قبله، أن " الوطن قبل كل شيء"، وما كانت هذه اللفظة يومئذ تجري على لسان أحد بمعناها الطبيعي الاجتماعي لجهل أكثر الأمة بمعناها هذا وعدم الشعور به، ولخوف أقلها من التصريح به، أما اليوم فقد شعرت الأمة بذاتيتها وعرفت هذه القطعة من الأرض التي خلقها الله منها ومنحها لها، وأنها هي ربّتها وصاحبة الحق الشرعي والطبيعي فيها، سواء اعترف لها به من اعترف أم جحده من جحد، وأصبحت كلمة (الوطن) إذا رنت في الآذان حرّكت أوتار القلوب وهزت النفس هزا). إلى أن كتب في الأخير (.. هذا عرض سريع لصوّر من الماضي والحاضر، لنواح عديدة من الأمة والوطن وما يتصل بهما، يبيّن ما كان من تأثير تلك الأصول الإسلامية التي تمسك بها "الشهاب" فيها، فالله نرجو أن يثبتنا على الحق ويعيننا علي الصدع به، وصدق تنفيذه، وحسن تبليغه حتى يبلغ المسلمون كل خير وسعادة وكمال). _____________________________________ – عبد الحميد بن باديس/ الشهاب ج 2 م 14ص1-7 غرة محرم 1357ه/ مارس 1938م. (المرجع/ أثار عبد الحميد ابن باديس الجزء: 2). -ففي عام 1925م صدرت جريدة " المنتقد " لصاحبها الشيخ عبد الحميد ابن باديس، وكان هدف الجريدة هو تسليط الضوء على أخطار المستعمر ونشر تعاليم الإسلام الصحيحة بين الجزائريين وبث الوعي في المجتمع، فصدر أول عدد منها في 03 جويلية 1925م، الموافق ل11 ذي الحجة سنة 1343 ه بمدينة قسنطينة، تحت شعار (الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء) .