لخضر لقدي الْجَوَارِح جمع مفردة جارحة, وجوارح الإنسان: أعضاؤه، وعوامل جسده, قال تعالى:(هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ). الأنعام: 60.أَيْ كَسَبْتُمْ. وَتُطْلَقُ الْجَوَارِح عَلَى أَعْضَاءِ الإِْنْسَانِ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا؛ لأَِنَّهُ يَتَكَسَّبُ بِهَا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَتُطْلَقُ عَلَى ذَوَاتِ الصَّيْدِ مِنَ السِّبَاعِ كَالْكِلاَبِ، وَالطَّيْرِ لأَِنَّهَا تَجْرَحُ لأَِهْلِهَا أَيْ تَكْسِبُ لَهُمْ . والجوارح نعمة من الله على العبد وأمانة لديه والمسلم مأمور بحفظ جوارحه, وهي التي عناها سيدي ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة الرسالة بقوله: أَمَّا بَعْدُ: أَعَانَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَلَى رِعَايَةِ وَدَائِعِهِ، وَحِفْظِ مَا أَوْدَعَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ. ووَدَائِعِه تَعَالَى هِيَ جَوَارِحُ الْإِنْسَانِ، وَأُضِيفَتْ لَهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لَهَا، وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ وَهِيَ سَبْعٌ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ، وَحِفْظُهَا أَنْ لَا يُرْتَكَبَ بِهَا مَنْهِيًّا عَنْهُ. وجعلت ودائع تشبيها لها بالودائع من المال بجامع الحفظ من التلف والضياع فاستعمال الأعضاء المذكورة في غير ما جعلت له ضياع لها, واستعمالها فيما جعلت له حفظ لها من الضياع. ومن أشد الطغيان وغاية الخسران استعانة العبد بنعمة الله على معصية الله تعالى وخيانته لما أمنه الله تعالى عليه. وربنا تبارك وتعالى خلق للنار سبعة أبواب وخلق للإنسان سبع جوارح وأَبْوَاب جَهَنَّمَ عَضُدُ الْجَوَارِحِ السَّبْعِ، ومتى أطاع الله بجارحة من تلك الجوارح السبعة غلق عنه باب من تلك الأبواب ومتى عصى الله بجارحة من تلك الجوارح السبعة استوجب الدخول من باب من تلك الأبواب. الفواكه الدواني 1/ 19 والدر الثمين والمورد المعين ص: 555. والقلب مَلكٌ مُطَاعٌ وَرَئِيسٌ مُتَّبَعٌ، وَالْأَعْضَاءُ كُلُّهَا تَبَعٌ لَهُ، فَإِذَا صَلَحَ الْمَتْبُوعُ صَلَحَ التَّبَعُ، وَإِذَا اسْتَقَامَ الْمَلِكُ اسْتَقَامَتِ الرَّعِيَّةُ. وإذا تَتَحَقَّقُ الْقَلْبُ بِالْإِيمَانِ اَنْبَعثت الْجَوَارِحُ فِي أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ، وفي الحديث: أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ. البخاري ومسلم. ويأتي بعد القلب اللسان في صلاح باقي الجوارح فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا.الترمذي وأحمد وقَوْلُهُ: تُكَفِّرُ، أَيْ: تَذِلُّ وَتَخْضَعُ. ولكل جارحة آداب, والتوبة يجب أن تعم الجوارح كلها, وعلى كل جارحة شكر يخصها, وطاعة مطلوبة منها. وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا … تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شُهَّدِ وينبغي للإنسان أن يجعل من جوارحه حاجباً يمنع عنها كل شيء بأن يمتثل الأمر ويجتنب النهي ,حتى يجري أفعاله وأقواله كلها على سنن الشرع قال الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا.الإسراء: 36. ومن صام فلتصم جوارحه, يكفها عن الآثام: وهو الصيام الذي نحتاجه طيلة العام, ويتأكد في أيام رمضان, ففي الحديث: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.البخاري. أي إن الله تعالى لا يلتفت إلى صيامه ولا يقبله. ويقول جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً» الزهد والرقائق لابن المبارك. ومن صام رمضان وجب أن تصوم جميع جوارحه عن الباطل, لأن صِيَام الْجَوَارِح كفها عن الآثام, فليس الصوم عن الجماع والطعام إنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام، وكفّ الكفّ عن أخذ الحطام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام. وَالصَّوْم ثَلَاثَة: صَوْم الرّوح وَهُوَ قصر الأمل, وَصَوْم الْعقل وَهُوَ مُخَالفَة الْهوى, وَصَوْم الْجَوَارِح وَهُوَ الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع. بستان الواعظين ورياض السامعين ص: 230. ومَا من جارحة فِي بدن الْإِنْسَان إِلَّا وَيلْزمهُ الصَّوْم فِي رَمَضَان وَفِي غير رَمَضَان فصوم اللِّسَان ترك الْكَلَام إِلَّا فِي ذكر الله تَعَالَى, وَصَوْم السّمع ترك الإصغاء إِلَى الْبَاطِل وَإِلَى مَا لَا يحل سَمَاعه ووَصِيَام الْعَينَيْنِ ترك النّظر والغض عَن محارم الله تَعَالَى. بستان الواعظين ورياض السامعين ص: 217. إذا لم يكن في السمع مني تصاون *** وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما *** فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت.