التكفل بانشغالات المواطنين وإعداد برامج عمل قطاعية    الفريق أول شنقريحة والفريق الرفاعي يتناولان التعاون العسكري    رئيس الجمهورية يجدد دعم الجزائر الثابت لفلسطين    أنا ضد أيّ اتّفاق ما برجّعني لبيت محسير… فاهم !    زحف الرمال على السكك الحديدية: اعتماد حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة الظاهرة    المؤتمر العالمي للاستثمار بالرياض: الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار تبرز الفرص المتاحة بالجزائر    مواصلة العمل على مرافقة نزلاء المؤسسات العقابية وإعادة ادماجهم في المجتمع    مجلس الأمة يشارك بلشبونة في الندوة الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    مذكرتي اعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: مقررو الأمم المتحدة يدعون إلى امتثال كامل للمذكرتين    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44282 شهيدا و104880 إصابة    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    مشروع انشاء خلية يقظة لحماية الاطفال من الفضاء الافتراضي سيكون جاهزا في 2025    منتدى تحالف الحضارات بالبرتغال: السيد عطاف يعقد لقاءات ثنائية مع عدد من نظرائه    منتدى دولي للفن التشكيلي المعاصر: فنانون جزائريون مقيمون بالخارج يبرزون ارتباطهم بتقاليد الممارسة الفنية الوطنية    "الذكرى ال 192 لمبايعة الأمير عبد القادر" محور ندوة تاريخية    الصالون الوطني للفنون التشكيلية بمعسكر: لوحات زيتية تروي تاريخ ثورة التحرير المجيدة    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    الجزائر تنجح في طرد مُجرمة صهيونية    معهد الأدلة الجنائية وعلم الإجرام للدرك يتسلم جائزة عالمية    أكثر من 1400 عائلة تُمسح من غزّة    بعد وقف إطلاق النار..بري: لبنان أحبط مفاعيل العدوان الإسرائيلي    هذه الشعب المعنية بمسابقة التوظيف..    عطال يتعرض لانتكاسة جديدة في قمة السد والهلال    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    خارطة طريق شاملة لإعادة هيكلة النسيج الاقتصادي    حجز أزيد من 56 ألف قرص من المؤثرات العقلية    قسنطينة.. أزيد من 120 عملية لإعادة تهيئة وتغيير شبكات توزيع الغاز    سوناطراك تشارك في صالون دولي في كوت ديفوار    اجتماع للأكاديميات الإفريقية للعلوم بالجزائر    التسجيلات لامتحاني شهادتي البيام والبكالوريا دورة 2025    ورشة تكوينية لفائدة قضاة وضباط الشرطة القضائية    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    تبّون: الأرض لمن يخدمها    كأس إفريقيا 2024: المنتخب الوطني النسوي يواصل تحضيراته بحضور كل اللاعبات    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    الدعم مكّن من إنهاء ندرة الحليب المبستر    وزير الاتصال يعزّي عائلة الفقيد والأسرة الإعلامية    محرز يحقق رقما مميزا في دوري أبطال آسيا    مازة لن يغادر هيرتا برلين قبل نهاية الموسم    مدرب مانشستر يونايتد يصر على ضم آيت نوري    تطبيق مبتكر يحقق الأمن السيبراني    نقاش حول السياحة الليلية الحضرية بتيزي وزو    البحث في علاقة المسرح بالمقاومة    انطلاق أشغال ترميم مسجد "الحنفي" الأثري    تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    طالب جامعي متورط في سرقة    اكتشاف عيادة سرية للإجهاض    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصيلة الحكومة في ظل الإكراهات الداخلية والخارجية

تعتبر حكومة بنكيران الحكومة التنفيذية الثلاثون منذ استقلال المغرب سنة 1956، والتي نتجت عن الانتخابات التشريعية لسنة 2011 التي تلت التعديل الدستوري من نفس السنة، وقد تم تعينها من طرف جلالة الملك محمد السادس، في يوم 3 يناير 2012.
يقول الخبير، نوفل الناصري، في مقالة تقييمية لتجربة حزب العدالة والتنمية، أن هذه الحكومة جاءت في سياق حراك سياسي استثنائي على الصعيد الوطني والإقليمي والجهوي، عُرف بالربيع العربي آنذاك. وبفضل تشارك جهود كافة المتدخلين والفاعلين في الساحة السياسية والخطاب الملكي ل 9 مارس 2011، تمكن المغرب من التفاعل الإرادي والاستباقي مع مختلف التحديات والاستحقاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، رافعا شعار: الإصلاح في ظل الاستقرار.
رغم هذه الإكراهات والتداعيات أبدت الحكومة مناعة قوية ومقاومة ضد كل الهزات والضربات، خصوصا بعد التحاق حزب التجمع الوطني للأحرار، وتشكيل حكومة بنكيران الثانية، والتي أسرعت في تنزيل وتفعيل محاور النموذج الاقتصادي التنموي، الأمر الذي ترجم بجلاء في مشاريع قوانين المالية.
وعلى العكس من التجربة التونسية التي لم تكن تملك نموذجا اقتصاديا تنمويا واضحا، فقد اجتهد حزب العدالة والتنمية المغربي في إنجاز نموذج اقتصادي تنموي مهم برؤية محددة وبأولويات واضحة تحسن في العهدة الثانية للحكومة، سيما عندما دقق في البرنامج المنطقي بالأرقام والنسب، حيث يعتبر برنامج الفرصة بين يديك الذي دخل به حزب العدالة والتنمية انتخابات 2016 مرجعا مهما في صياغة البرامج التنموية الجادة، وينبني هذا النموذج الذي اعتمدته حكومة بنكيران على أربعة ركائز أساسية:
الأولى: تعزيز الطلب الداخلي، بمكونيه الاستهلاك والاستثمار، من خلال مواصلة دعم القدرة الشرائية وتعزيز الاستثمار، حيث واصلت دعم بعض المواد الأساسية عبر صندوق المقاصة بغلاف مالي يناهز 130 مليار درهم، ما بين 2012 و2014، ورفعت من المجهود الاستثماري في القطاع العام إلى 186.64 مليار درهم سنة 2014.
ثانيا: تنويع روافد النمو بالتركيز على التصنيع وتطوير الاستراتيجيات القطاعية، والتي ستساعد على تنويع الإنتاج وتطوير وتقوية الصادرات والقدرة التنافسية الخارجية، بالإضافة إلى تنويع المنافذ والأسواق، خاصة دول إفريقيا جنوب الصحراء، ودول الخليج والصين وروسيا وبعض الدول الصاعدة.
ثالثا: تفعيل الإصلاحات الهيكلية والضرورية، والتي تمثل العمق الإستراتيجي للمرحلة التي جاءت فيها حكومة بنكيران. وتتجلى هذه الإصلاحات البنيوية في إصلاح نظام المقاصة، وإصلاح الميزانية والقطاع المالي ووضع قانون تنظيمي جديد للمالية لتدعيم الحكامة الجيدة والتدبير المبني على النتائج، وملائمة واعتماد قانون المنافسة وحرية الأسعار، ومراجعة الإطار المؤسساتي للمقاولات والمؤسسات العمومية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وضمان استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة، بالإضافة إلى ورش إصلاح العدالة وصندوق التقاعد.
رابعا: تعزيز التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، عن طريق تقوية الاستثمارات الموجهة للفئات الهشة والفقيرة خصوصا في الصحة والتعليم، بالإضافة للإجراءات المتخذة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مع تشجيع برامج تأهيل العالم القروي والمناطق الجبلية، وإنشاء صندوق دعم التماسك الاجتماعي وإحداث صندوق التكافل العائلي وكذا تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
وفي ثلاث سنوات استطاعت حكومة العدالة والتنمية بفضل تفعيل إجراءات برنامجها الاقتصادي، حيث أعدت وزارة الاتصال جردا لأهم الإنجازات التي تحققت خلال ثلاث سنوات من عمر الحكومة، من خلال وثيقة عنونتها ب"بعد ثلاث سنوات من العمل الحكومي ماذا تحقق؟"، واشتملت هذه الوثيقة على خمسة محاور توزعت بين تنزيل الدستور الجديد، ودعم المواطن وتعزيز التماسك الاجتماعي، ودعم المقاولة الوطنية وتقوية الاقتصاد الوطني، ومحاربة الفساد والنهوض بحقوق الإنسان، فضلا عن تعزيز صورة المغرب وإشعاعه الخارجي، حيث تمكنت الحكومة من أن تحقق نتائج وإنجازات قوية وباهرة في أغلب المؤشرات الاقتصادية، وعلى رأسها عجز الميزانية الذي تحسن بنسبة 30%، حيث انتقل من 7% من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى 4.9% سنة 2014. كذلك تراجع عجز الميزان التجاري بانخفاضه من 24.4% سنة 2012 إلى 20.5% سنة 2014، أي تحسن بنسبة 16%. وعرف الحساب الجاري لميزان الأداءات تقلص من 9.7% من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى 6% سنة 2014، أي تحسن بنسبة 40%. كما شهدت احتياطات الصرف ارتفاعا بنسبة 24.8% بانتقاله من 145 مليار درهم سنة 2012 إلى 181 مليار درهم سنة 2014، وسيمكن هذا الاحتياط من تغطية 5 أشهر و9 أيام. وفيما يخص التضخم، فقد تم التحكم فيه واستقر في نسبة 0.4% سنة 2014، بينما بلغ 1.9% سنة 2013 و1.3% سنة 2012. وأما معدل النمو فقد عرف تحسنا طفيفا بنسبة 3%، وذلك بانتقاله من 2.9% سنة 2012 إلى 3% سنة 2014، غير أن سنة 2013 شهدت معدلا مرتفعا قُدر ب4.4%، ويعزي انخفاضه سنة 2014 إلى تراجع النشاط الزراعي ب31%، وهذه من تحديات الحكومة لكثرة ارتباط معدل النمو بالموسم الزراعي، بينما يتوقع أن يقفز هذا المعدل إلى 5% سنة 2015. وبالنسبة للتشغيل، فقد تم إحداث 90.510 منصب شغل بالقطاع العام برسم السنوات المالية 2012 و2013 و2014 و2015. وفيما يخص مناخ الأعمال، فقد كسب المغرب 10 نقاط في مؤشر مناخ الأعمال (Doing Business) بالصعود إلى المرتبة 87 على 189 دولة في الترتيب العالمي للبنك الدولي لسنة 2013، وب16 نقطة سنة 2015 بالصعود إلى المرتبة 71، كما تقدم ب 5 درجات في مؤشر التنافسية العالمية (World Economic Forum) بالصعود إلى المرتبة 72/144 في الترتيب العالمي، حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول مؤشر التنافسية 2015-14.
رغم هذه الإنجازات المهمة، فإن الاقتصاد المغربي يعاني من بعض التحديات التي تتمثل أساسا في غياب التنسيق بين الفاعلين والمتدخلين في الشأن الاقتصادي، وضعف إلتقائية وانسجام وتكامل البرامج القطاعية، وفي ارتباطه بالاتحاد الأوروبي في المبادلات التجارية باعتباره أهم شريك اقتصادي لبلادنا، بالإضافة إلى عدم ملاءمة التكوين والتعليم المغربي مع متطلبات سوق الشغل.
هذه الإنجازات التي حققها الاقتصاد المغربي خلال السنوات الثلاث الأولى من العمل الحكومي لا تترك مجالا للشك عن مدى نجاعة وفعالية النموذج الاقتصادي التنموي لحكومة بنكيران، الذي أعطى ثماره رغم الظرفية الدولية الصعبة والإكراهات والمشاكل الداخلية، والذي يؤكد على أن حكومة العدالة والتنمية تسير في المسار الصحيح، وذلك لتمكنها من استعادة كل من التوازنات الماكرو اقتصادية وعافية المالية العمومية، بشهادة جميع الهيئات والمنظمات المالية الوطنية والدولية، محققة بذلك بوادر إقلاع اقتصاد مغربي قوي وتنافسي يعزز الثقة في المؤسسات، ويوطد مسار بناء مجتمع متوازن ومتماسك ومستقر ومتضامن ومزدهر، ويمكن من تأهيل المغرب للدخول النهائي والمستحق لنادي الدول الصاعدة.

* هل هنالك نموذج مغربي فعلي يحتذى؟
التجربة المغربية تجربة خاصة لها مالها وعليها ماعليها، لكننا كملاحظين للتحولات التي تحدث داخل فكر وممارسة الأحزاب الإسلامية التي احتكت فعليا بالحياة السياسية، ليس في موقع المعارضة فقط، بل وفي موقع الحكم، مهما كان السقف المسموح به، يجعلنا نتلمس مثابات النجاح والإخفاق من أجل محاولة صياغة مقاربة إرشادية سياسية تكون بمثابة الدليل في التعاطي السياسي، والنموذج المغربي بسقفه المحدود بالملكية نجح في إطلاق ورش كبرى في الإصلاح السياسي والمؤسساتي، مكنته منذ العام 2011، من امتصاص غضب شارع متأجج (من تلقاء نفسه كما بعدوى الانتفاضات العربية)، من تخفيف منسوب الاحتقان المزمن بين النخبة الحاكمة وباقي أفراد الشعب، ومن فتح المسالك لتجسيد انتقال ديمقراطي نخره سرطان الفساد والاستبداد منذ عقود، على اعتبار أن إقدام الملك على كتابة دستور جديد يقسم الأدوار ب"إنصاف" بين السلط السياسية الثلاث، لا يعبر في رأي البعض عن جنوح الملكية (طواعية أو تحت الضغط) لإزاحة ثياب الكليانية التي لطالما لبستها، وحالت دونها ودون اقتسام السلطة مع باقي الفرقاء، بل يجب أن يقرأ باعتباره مدخلا جديدا لبناء دولة الحق والقانون، لتكريس الحريات الفردية والجماعية، لضمان تمثيلية ديمقراطية لكل فئات وأطياف الشعب، ولربط مبدأ المسؤولية بمعايير المحاسبة والمساءلة في الزمن والمكان.
كما أن المغرب قد عمد منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، إلى سن إصلاحات اقتصادية "جذرية"، مكنته من ركوب ناصية سياسات عمومية ناجعة، تحكمت في التوازنات الماكرو/ اقتصادية الكبرى، وفسحت المجال لتنمية مستدامة عملت على تسريع وتيرة النمو، لكن دونما التفريط في حق الأجيال القادمة بالبوادي كما بالمدن والحواضر سواء بسواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.