مازالت الطبقة السياسية المغربية تتابع تطورات المشهد السياسي في البلاد، على خلفية قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الائتلاف الحكومي بكثير من الترقب، لمعرفة النهاية التي ستعرفها العلاقة بين أحد أقدم الأحزاب المغربية وحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية. وتطرح عدة بدائل للخروج من أول أزمة سياسية تعرفها أول حكومة إسلامية في المغرب، من بينها تنظيم انتخابات مسبقة والاحتكام إلى الصندوق أو القيام بتعديل حكومي لملء الفراغ الذي تركه انسحاب حزب الاستقلال، إما بوزراء من الأحزاب الباقية في الحكومة أو إقناع أحزاب أخرى بالانضمام إلى طاقم عبد الإله بنكيران. ومهما يكن الخيار الذي ستأخذ به الحكومة المغربية لتجاوز هذه الأزمة، فإن انسحاب حزب الاستقلال يعد ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية الذي لم يتمكن بعد عام منذ توليه مقاليد الهيئة التنفيذية أن يفي بوعوده، ويطمئن المغربيين على مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي. ويبقى أحلى الخيارين مر بالنسبة للوزير الأول عبد الإله بنكيران، الذي إن هو أخذ بالخيار الأول، فإنه سيضع حزبه في الواجهة، وأمام امتحان عسير لتلبية المطالب المتزايدة للشعب المغربي، في ظل انتشار دائرة الفقر وارتفاع نسبة البطالة وغياب أي مؤشرات تبشر بغد أفضل. كما أن انضمام أحزاب أخرى صغيرة من حيث درجة شعبيتها، سيفقد الحكومة قوتها التمثيلية، إذا علمنا أن حزب الاستقلال يعد القوة السياسية الثانية في البرلمان، وفي المشهد السياسي المغربي، وقد أعطى للحكومة شرعية ما كانت لتكتسبها لو أنها اكتفت بالأحزاب الصغيرة، بالنظر إلى تاريخ الحزب وعراقته في الخارطة السياسية المغربية. والواقع أن إقدام حزب الاستقلال على الانسحاب من الحكومة، لم يكن إلا الجزء الظاهر من جبل أزمة اقتصادية خانقة يمر بها الاقتصاد المغربي، الذي لم يستطع التكيف مع التحولات الطارئة التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية العالمية، وخاصة في أوروبا التي يبقى الاقتصاد المغربي مرتبطا بها ارتباطا وثيقا، بحكم اتفاقيات الشراكة الموقعة معها وجعلت منه الشريك الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. ولا تخلو أية صحيفة مغربية هذه الأيام من مواضيع وتعاليق على أزمة سياسية حادة تواجه الحكومة والقصر الملكي، الذي ضغط من أجل إقناع حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال بالعدول عن قراره، وكان له ذلك ولكنه لم يضع حدا لأزمة مرشحة للتفاقم في ظل الانتقادات المتبادلة بين أهم حزبين في البلاد. وما حير الرأي المغربي، بقاء الملك محمد السادس في فرنسا في إطار زيارة خاصة، وهم الذين كانوا ينتظرون أن يعود على جناح السرعة من أجل احتواء أزمة سياسية حادة، بصفته الحكم النهائي فيها، على اعتبار أنه احتفظ بكل الصلاحيات السياسية رغم الإصلاحات التي أدرجها ضمن دستور 2011. وهي الحيرة التي زادت في ظل تقارير رسمية، أكدت ارتفاع العجز التجاري المغربي بخمسة أضعاف منذ سنة 2000 من 44 مليار درهم إلى 201 مليار درهم. وكان لزيادة الواردات الطاقوية وارتفاع أسعارها ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، من بين الأسباب التي أثرت على ميزانية الدولة المغربية وجعلتها غير قادرة على مواجهة الطلب المتزايد على النفط والغاز. بالإضافة، إلى المواد الواسعة الاستهلاك وخاصة تلك الموجهة للاستهلاك الواسع وتحظى بدعم من السلطات المغربية، قصد المحافظة على السلم الاجتماعي في مقابل تراجع مستوى الصادرات المغربية، في ظل التدني المستمر لأسعار الفوسفات التي تبقى أهم الصادرات المغربية وانهيار عائدات السياحة المغربية، بسبب الأحداث التي تعرفها البلاد وأثر بشكل مباشر على الوجهة السياحية المغربية.