بقلم: حسن العاصي يرجع الاهتمام الإيراني بالقارة الإفريقية إلى ستينيات القرن العشرين، حيث كان نظام الشاه في إيران يلعب دور الشرطي الأمريكي في المنطقة، فارتبطت إيران بعلاقات دبلوماسية مع عدد من الدول الإفريقية، لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه، تراجع كثيراً الاهتمام الإيراني بالقارة الإفريقية بسبب انشغال إيران بترسيخ دعائم الحكم الجديد، وانشغالها بالحرب مع العراق، لكن ما إن انتهت الحرب حتى عاد اهتمام إيران بالقارة الإفريقية مرة أخرى، وتمكنت من اختراق القارة في بداية التسعينيات من القرن العشرين، ويمكن أن نلحظ الوجود الإيراني في دول غرب إفريقيا لوجود جاليات إسلامية كبيرة في هذه الدول، مما شكل بيئة مناسبة لنشر المذهب الشيعي، وكذلك في دول حوض النيل وشرق إفريقيا من أجل تطبيق نظرية " الجهاد البحري " الذي تسوّق لها إيران بهدف نقل المعركة من الخليج العربي إلى منطقة القرن الإفريقي وخليج عدن وباب المندب بين إرتيريا واليمن، من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإرتيري، من أجل حماية مصالحها في المنطقة وتعزيز نفوذها، ثم أيضاً لإيران تواجد في مناطق جنوب وشمال إفريقيا، ففي جنوب إفريقيا استفادت إيران من الأقلية المسلمة هناك القوية اقتصاديا والمتعاطفة مع الشعارات الإيرانية المعادية للصهيونية، وفي دول شمال إفريقيا التي تعتبرها إيران أماكن استهداف، فقد صار لها موطئ قدم، خاصة في الجزائر. لقد نجحت إيران في استغلال الفراغ الثقافي والاجتماعي، وحتى السياسي الذي أحدثه البعد العربي عن الساحة الإفريقية، للتسلل إلى القارة وذلك عبر آليات متعددة لعل أهمها توظيف شعار الثورة الإيرانية على أنها " ثورة لنصرة المستضعفين " في العالم، فلاقى هذا الشعار صدى له في عدد من دول القارة الإفريقية، حينها وجدت إيران فرصتها التاريخية للانقضاض على إفريقيا بهدف الخروج من عزلتها الدولية والإقليمية المفروضة عليها قبل توقعيها على الاتفاق النووي، ولنشر المذهب الشيعي فيها، وكذلك من أجل محاولة تصدير الثورة إلى تلك البلدان من خلال تقديم النموذج الإيراني، وممارسة نشاط استخباراتي في إفريقيا، عبر عناصر الحرس الثوري الإيراني الذين توافدوا على إفريقيا بصفة رجال أعمال ومستثمرين بهدف ضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية والعربية. في العام 1991 قام الرئيس الإيراني السابق "هاشمي رفسنجاني " بزيارة إلى السودان الذي اعتبرها دعماً لحكومة "عمر البشير "، وقد مثلت هذه الزيارة بداية انفتاح إيراني على القارة الإفريقية، فأعقبتها زيارة أخرى لرفسنجاني عام 1996، ثم الزيارات التي قام بها "محمد خاتمي " إلى عدد من الدول الإفريقية، ومن بعده قام " محمود أحمدي نجاد " بزيارات متعددة إلى إفريقيا، ثم قام وزير الخارجية الإيراني " محمد جواد ظريف " بعدة زيارات لدول شرق إفريقيا في العام 2014، وزيارة دول شمال إفريقيا في العام 2015، ثم قام بجولة في دول غرب إفريقيا في العام 2016. وإن كانت السودان أول بلد إفريقي يستقبل رئيس إيراني على أراضيه، فإن شبكة إيران الإفريقية أخذت تتوسع، فشملت كل من جنوب إفريقيا، كينيا، تنزانيا، زيمبابوي، أوغندا، نيجيريا، النيجر، الكاميرون، السنغال، جزر القمر، الصومال، جيبوتي، وغانا. هذا النشاط الدبلوماسي الإيراني غير المسبوق يعكس حرصاً إيرانياً في المضي على تعزيز علاقات إيران مع عدد متزايد من الدول الإفريقية، كما أسفرت هذه الزيارات عن تشكيل لجان مشتركة في جوانب متعددة بين إيران وبعض الدول الإفريقية، كما أنتجت قيام كل من إيران وهذه الدول بتوقيع على عدد من المعاهدات والاتفاقيات الثنائية في مجالات مختلفة، في قطاع الري والسدود، وصناعة السيارات، والطاقة، إضافة إلى الجوانب التعليمية والثقافية. وفي الحقيقة تختلف الدوافع الإيرانية من خلف هذا التسلل إلى إفريقيا من بلد إلى آخر، وتتنوع هذه الدوافع والأسباب ما بين سياسي وديني، وجرى تركيز الجهد الإيراني على السودان ونيجيريا بشكل لافت، فيما يتعلق بالسودان فإن أسباب إيران في توطيد العلاقة معه، فذلك يعود إلى موقع السودان ذو الأهمية الجيوستراتيجية، إذ يعتبر البوابة الشرقية لإفريقيا، وتعتبر إيران أن السودان يتشارك معها في مواجهة الضغوط الأمريكية، وهو ما يفسر احتضان إيران لنظام عمر البشير في العام 1989 ذو التوجه الإسلامي، وحينها اعتبرته إيران أول حليف عربي. أما فيما يتعلق بنيجيريا، فإن أكثر من نصف سكانها من المسلمين، وهي من أهم الدول المنتجة للنفط في إفريقيا، ناهيك عن وجود آلاف من أتباع المذهب الشيعي المتعاطفين مع النظام الإيراني فيها. ولقد اتبعت إيران ما يسمى بسياسة التسلل الناعم للولوج إلى قلب القارة الإفريقية، مثل تقديم بعض المساعدات التكنولوجية في مجالات الطاقة والصناعات البتروكيماوية، أيضاً في مجال الزراعة والصحة والري، وهي القطاعات التي تحتاج دول القارة الإفريقية إلى المساعدة والدعم فيها أكثر من غيرها، وقد ساعد هذا التعاون على تحقيق نمو في المبادلات التجارية بين إيران وإفريقيا، فارتفعت قيمة الصادرات النفطية الإيرانية إلى إفريقيا من 1.3 مليار دولار عام 2003، إلى 3.6 مليار دولار عام 2012. وتضاعف حجم الصادرات الإيرانية إلى الدول الإفريقية من 90 مليون دولار عام 2001، إلى291 مليون دولار في العام 2008. هناك وسيلة أخرى استخدمها الإيرانيون للتسلل إلى إفريقيا، ألا وهي نشر المذهب الشيعي في الدول التي تضم مسلمين، يساعد إيران في تحقيق هذا الأمر وجود عشرات آلاف الشيعة اللبنانيين الذين هاجروا في سنوات ماضية من لبنان واستقروا في دول إفريقية، وقامت إيران ببناء عدد من المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية والدينية في إفريقيا لنشر التشيع. إضافة إلى استخدام إيران أيضاً أسلوب تقديم المساعدات العسكرية سراً غالب الأحيان إلى بعض الدول الإفريقية، فقدمت أسلحة وعتاد حربي، كما قامت بتدريب عدد من الضباط والجنود الأفارقة، وكانت إيران قد بنت أيضاً مجمع مصانع اليرموك للصناعات العسكرية في السودان، والذي قامت الطائرات الإسرائيلية بقصفه عام 2001. ويمكن القول إن إيران قد استطاعت تحقيق بعض المكاسب السياسية نتيجة علاقتها مع القارة الإفريقية، ربما أهم هذه المكاسب هو مساعدة إيران على الخروج من العزلة الدولية والإقليمية، إضافة إلى تصويت الدول الإفريقية لصالحها في المحافل الدولية عدة مرات في مجالات مرتبطة بحقوق الإنسان داخل إيران والملف النووي، ومراهنة إيران على المخزون الإستراتيجي لليورانيوم لدى بعض الدول الإفريقية. وهكذا نرى أنه في الوقت الذي غابت فيه إفريقيا عن الحسابات العربية، حضرت وبقوة في الإستراتيجية الإيرانية التي تمكنت من فتح ثلاثين سفارة لها في القارة الإفريقية وحصولها على عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، ويبدو أن إيران تحاكي التجربة الإسرائيلية في إفريقيا، فهي مثلها تسعى لتعزيز نفوذها في دول حوض النيل، ومحاولة السيطرة على الخليج العربي، واستغلال علاقتها مع إرتيريا الذي مكنها من تقديم الدعم للحوثيين في اليمن. وفيما اتسم التسلل الإيراني إلى إفريقيا بالنعومة، إلا أن هناك شواهد على علاقة المخابرات الإيرانية ببعض المجموعات الإرهابية في بعض الدول الإفريقية، حيث قامت إيران بتهريب كميات ضخمة من الكوكائين ضمن حاوية تضم قطع غيار للسيارات واكتشفتها السلطات النيجيرية واعتقلت أفراد الخلية في العام 2010، ولم يعد خافيا أن الدول الإفريقية تعج برجال المخابرات الإيرانية، في حين مازالت حالة الغيبوبة العربية متواصلة، ولم يتعدى مفهوم الأنظمة العربية لمفهوم أمنها القومي أبعد من حرصها على عدم انهيار أنظمتها السياسية، بينما تتبع إيران أساليب الدول الاستعمارية التي تسعى لتوفير كافة متطلبات أمنها القومي، وهي كإسرائيل تسعى لتطويق الدول العربية وعزلها عن عمقها الإفريقي. وتحاول القيادة الإيرانية التمركز في موضع يتوافق مع ما تراه أنه مكانتها وقدراتها وتاريخها، وهي تقرأ المتغيرات الدولية والإقليمية التي تشير إلى انحسار دور قوى كانت إلى غاية الأمس قوى عظمى، وتراجع ملحوظ في دور وتواجد واهتمام الولاياتالمتحدة الأمريكية في المنطقة، وظهور قوى جديدة دولية وإقليمية تريد إيران أن تكون بين هذه القوى الصاعدة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف تحاول إيران أن تعوّض تجاهلها من قبل الغرب بإقامة علاقات مع الدول الضعيفة من أجل تشكيل تحالفات يكون لها وزن وأثر في الموقف الدولي، لذلك نجد إيران تسعى جاهدة من أجل تعزيز وتطوير علاقاتها مع بعض الدول الآسيوية والأمريكية الجنوبية، والأهم هنا هو الساحة الأهم التي تتصارع من أجلها القوى العظمى، وهي القارة الإفريقية التي تقوم القيادة الإيرانية فيها بمزاحمة القوى الكبرى، لتعزيز تواجدها في منطقة القرن الإفريقي للضغط على دول الخليج، وكذلك مساومة الولاياتالمتحدة الأمريكية وإسرائيل حول عدد من ملفاتها الداخلية ومصالحها الإقليمية، حتى في دول غرب إفريقيا التي هي منطقة نفوذ أمريكي- فرنسي بامتياز، وتواجد إسرائيلي ملحوظ، إلا أن إيران وجدت لها مكانا بمساعدة الجاليات اللبنانية، ومع جنوب إفريقيا، حيث دعمت إيران سابقاً حزب المؤتمر الديمقراطي الذي كان يناهض نظام الفصل العنصري، فقد استطاعت إيران أن تسوّق وجهة نظرها من برنامجها النووي، وبصفة عامة فإن إيران تحظى بتأييد الأنظمة الإفريقية غير المتصالحة مع الولاياتالمتحدة الأمريكية مثل زيمبابوي التي وضعتها أمريكا ضمن دول الطغيان. لكن شهر العسل الإيراني مع القارة الإفريقية لم يستمر، وأضحت إيران تواجه عدة تحديات خلال السنوات الماضية نتيجة عدم الالتزام الإيراني بالوعود التي قطعتها لبعض الدول الإفريقية لتقديم المعونات الاقتصادية، وقد مارس المجتمع الدولي ضغوطاً شديدة على إيران لتقليص نفوذها في إفريقيا، فعلى سبيل المثال تم إغلاق جميع المراكز الثقافية الإيرانية في السودان الذي انخرط مع بعض الدول الإفريقية الأخرى، كالمغرب مثلا، في الحرب ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن الذين هم أنصار إيران ويمثلون مشروعها هناك، وأيدت كل من موريتانيا والسنغال هذه العملية العسكرية، ثم ما لبثت السودان وجزر القمر أن قامتا بقطع علاقاتهما مع إيران عقب التوتر الذي اتسمت به العلاقات السعودية الإيرانية بسبب الأزمة التي سببها حرق السفارة السعودية في طهران. وقد أدركت بعض الدول الإفريقية المسلمة السنية أن هناك مخاوف جدية من المحاولات الإيرانية المستمرة لنشر المذهب الشيعي في بلدانها، كما حصل مع المغرب الذي أتهم إيران بنشر التشيع فيه، مما دفع السعودية وبعض دول الخليج إضافة إلى مصر إلى التدخل لمواجهة هذا الأمر وعبر بعثات أزهرية، وإرسال العديد من الأئمة ورجال الدين من أهل السنة إلى المعاهد الدينية الإفريقية، وفتح الجامعات والمعاهد العربية أمام طلبة العلوم الشرعية من الدول الإفريقية. * مستقبل العلاقات بين إيران والقارة الإفريقية من الملاحظ أنه رغم التمدد الإيراني في القارة الإفريقية، ألا أن هذا التمدد ظل دون أن يهدد بشكل فعلي وجدي المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية، لكن هل يستمر هذا الوضع على ماهو عليه إن قامت الولاياتالمتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية على سبيل المثال؟0 نحن نعتقد أن إيران حينها سوف تحاول توظيف كافة علاقاتها والمكاسب التي حققتها في إفريقيا من أجل القيام بضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية تحديدا في إفريقيا، لكن لا نظن بأن أي من الدول الإفريقية في ضوء حسابات الربح والخسارة، وفي ظل حالة الضعف التام، ستكون قادرة على تقديم أية مساعدة أو دعم لإيران لضرب المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية فيها، ولن تجد إيران من الأفارقة – بظننا – من يخوض غمار هذه المغامرة معها حتى من بعض الحركات المعارضة وبعض الانفصاليين الأفارقة الذين سبق وقدمت لهم إيران دعما عسكريا عبر إرسال أسلحة وعتاد لهذه الحركات، خاصة في السنغال وساحل العاج وغامبيا ونيجيريا. ونعتقد أن إيران سوف تستمر في تصدير النفط إلى بعض الدول الإفريقية، ليس فقط بهدف بيع النفط، إنما أيضاً لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا، فإيران تسعى للحصول على مادة اليورانيوم التي تعتبر إفريقيا أكبر منتج لهذه المادة، إذ تنتج 20 في المائة من الإنتاج العالمي، والنيجر وحدها تمتلك سادس أكبر احتياطي من اليورانيوم، لذلك تبذل إيران جهودا كبيرة من أجل إجراء مقايضات مع إفريقيا عملاً بشعار " النفط مقابل اليورانيوم ". كما سوف تسعى إيران إلى إجراء مزيد من المشاركات الاقتصادية مع الدول الإفريقية، وفتح مشاريع جديدة في مجالات إنتاج السيارات وقطاعات الزراعة والمياه والصحة، أيضا مشاريع في مجال الطاقة ومحاولة تسويق تجربتها في برنامجها النووي لإقامة محطات لتوليد الكهرباء. ومما لا شك فيه أن إيران سوف تقوم بممارسة أنواع متعددة من الابتزاز في علاقاتها مع الدول الإفريقية، وسوف تكون علاقتها مع إفريقيا علاقة مصالح بشكل فاضح، فعلى سبيل المثال لا الحصر إن إيران تُعتبر المصدر الأساسي للنفط بالنسبة لجنوب إفريقيا، لذلك عمدت الدبلوماسية جنوب الإفريقية على اتخاذ موقف الحياد فيما يتعلق بانتهاك إيران لحقوق الإنسان، الأمر الذي أزعج إيران التي كانت تتوقع تأييداً ودعماً لموقفها من جنوب إفريقيا، وكذلك لم يكن الغرب راضياً لأنه كان يريد من جنوب إفريقيا أن تدعم موقفه، ثم صوّتت جنوب إفريقيا ضد إحالة ملف البرنامج النووي الإيراني إلى مجلس الأمن مقابل صفقة هواتف خلوية المستفيد منها شركة " إم. تي. إن" المقربة من "حزب المؤتمر الوطني" الحاكم في جنوب إفريقيا في العام 2005، ثم عادت جنوب إفريقيا وأيّدت فرض قيود على برنامج إيران النووي في العام 2006. ولكن هل هذا الأمر يشرح جيداً طبيعة العلاقة التي سوف تكون عليها على الأرجح علاقة إيران مع الدول الإفريقية؟ في الحقيقة أنه في الجوانب السياسية سعت إيران حثيثاً لكسب تأييد أصوات الدول الإفريقية في هيئات الأممالمتحدة المختلفة، من مجلس الأمن الذي تمتلك فيه القارة ثلاث مندوبين غير دائمين، مرورا بمجلس حقوق الإنسان الذي يضع إيران دوماً على طاولة النقد وتوجيه الاتهامات، إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأهم بالنسبة لإيران لأن داخل أورقتها يتحدد مستقبل برنامجها النووي، فقد استطاعت إيران أن تجعل من أصوات معظم دول القارة الإفريقية إما داعمة لها أو غير معادية لموقفها، باستثناء المغرب وجنوب إفريقيا الدولتان اللتان عادة ما يظهر عنهم مواقف متشددة نحو إيران وسياساتها الداخلية وعلاقاتها مع محيطها، ومن برنامجها النووي وأطماعها التوسعية. لكن إن أمكننا أن نعتبر ما حققته إيران عبر علاقاتها مع الدول الإفريقية إنجازا لها، فهذا النجاح لم يكن دون إخفاقات، فنتيجة للتدخلات الإيرانية في الصراعات الداخلية في عدد من الدول الإفريقية وتورطها بشكل مباشر في هذه الصراعات، خسرت إيران كثير من الإنجازات التي كانت قد حققتها نتيجة هذا التورط، كما حصل في السنغال حين زودت إيران المتمردين في جنوب السنغال بالسلاح، فقطعت كل من السنغال وغامبيا علاقتهما بإيران في العام 2011، وقبلها في العام 2010 قطعت نيجيريا علاقتها مع إيران عقب اكتشاف شحنة أسلحة قادمة من إيران في طريقها إلى غامبيا. ويمكن كذلك ملاحظة فشل السياسة الإيرانية في إفريقيا من خلال تمكن الولاياتالمتحدة الأمريكية وإسرائيل في ممارسة ضغوط على الدول الإفريقية من أجل التصويت ضد برنامج إيران النووي، وهذا ما حصل حين أوقفت نيجيريا اتفاقية للتعاون النووي كانت قد وقعتها مع إيران في العام 2008، وأوقفت جنوب إفريقيا معظم وارداتها النفطية من إيران في العام 2012. إن الانفراج الجزئي في طبيعة علاقات إيران مع الولاياتالمتحدة الأمريكية ومع الغرب، التي تحققت نسبياً على إثر توقيع الاتفاق النووي بين إيران من جهة، ومجموعة الخمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا، هذا الانفراج قضى عليه وصول الرئيس الأمريكي " دونالد ترامب " للبيت الأبيض معلناً انتهاء شهر العسل مع إيران، ومما لا شك فيه أن إيران تعلم أن نفوذها في منطقة الشرق الأوسط مهدد، وهي تعاني مشاكل متعددة نتيجة محاولاتها المستمرة في التمدد داخل بعض الدول العربية، لذلك هي سوف تسعى لتعويض أية خسائر متوقعة لنفوذها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالتحول أكثر إلى القارة الإفريقية، خاصة وأن إيران مازالت بعيدة عن كونها تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية التي لم تمس في إفريقيا، لكن العقبة الرئيسية فيما يتعلق بالدول الإفريقية أنها مازالت غير قادرة على تشكيل إستراتيجيات مستقلة في سياساتها الخارجية، وذلك لأسباب متعددة ومتشابكة أبرزها الدور المفصلي الذي مازال يلعبه المستعمر وإن كان قد خرج من البلاد، إلا أن هذا المستعمر قد جعل من إفريقيا قارة مسلوبة القرار. في ضوء هذه التقاطعات والتعقيدات في علاقات إيران الخارجية، يظهر العرب في خلفية المشهد كطرف خاسر ومتضرر، في حين ترى إيران أن نفوذها ونفوذ كافة المجموعات والأحزاب التابعة لها في سورية ولبنان، في ظل الحلول للحرب الطاحنة في سورية لن يستمر كما هو، وأن مشروعها بشكل عام لم يحظ بنجاح في المنطقة، لذلك قد تفكر إيران جدياً بنقل نفوذها إلى مناطق البحر الأحمر والقرن الإفريقي وفي شمال اليمن، وترمي بثقلها السياسي والاقتصادي في القارة الإفريقية.
كلمة أخيرة في علاقات إيران بالقارة الإفريقية إن إيران قد استطاعت تحقيق بعض الإنجازات في القارة الإفريقية، وتظهر على أنها دولة تنافس القوى الإقليمية والدولية من أجل أخذ مصالحها بعين الاعتبار، ولم تكن إيران لتحقق هذا لولا امتلاكها لرؤية جيوستراتيجية، بعكس الدول العربية التي لا تمتلك مشروعا ورؤية وإستراتيجية محددة وواضحة في القارة الإفريقية، ولا حتى لديها مخطط للحفاظ على أمنها القومي خاصة مصر والدول الخليجية، ولا حتى في الدول المغاربية في شمال إفريقيا التي تعاني من مشاكل فيما بينها تحول دون التنسيق والتعاون المشترك لمواجهة المخاطر. لكن إيران لن تستطيع حصد ما يكفي من استثماراتها في القارة الإفريقية في مواضيع مهمة كبرنامجها النووي، لأن دعم بعض الدول الإفريقية لم ولن يحول دون أن يفرض الغرب عقوبات على إيران، كما أن إيران تتحمل مسؤولية تدهور علاقاتها مع بعض الدول الإفريقية نتيجة تدخلاتها المباشرة في المشاكل الداخلية لتلك الدول. إن تمدد إيران المتوقع مستقبلاً في إفريقيا سوف يكون على حساب المصالح العربية، وهو ما يضع الدول العربية مجتمعة أمام مسؤولياتها التاريخية في صياغة إستراتيجية واحدة لمواجهة الخطر القادم من إفريقيا بسبب السياسات الإيرانية، ولا نعلم إلى أية حدود يمكن للمشروع الإيراني أن ينجح في تحقيق أهدافه في القارة الإفريقية، وأهمها إبعاد الأفارقة عن العرب، كما سبق ونجحت إسرائيل في إبعاد القارة الإفريقية عن الصراع العربي الإسرائيلي. —————————————————- * هوامش – عمر كوش، إفريقيا.. صراع دولي ومسرح لتنافس قوى إقليمية صاعدة. – عبد الله ولد محمد بمب، الحضور الإيراني في غرب إفريقيا: استثمار أسواق تشيع. – حمدي عبد الرحمن، الاختراق الإيراني الناعم لإفريقيا. – شريف شعبان مبروك، العلاقات الإيرانية – الإفريقية: في دائرة الصراع الأمريكي – الإيراني.