بقلم: الدكتور عمر هارون باحث وخبير اقتصادي [email protected] أي طبع للنقود دون مقابل سلعي في السوق يمكن أن ينجر عنه تضخم والمتمثل في انخفاض القدرة الشرائية للنقود، أي أن المواطن يصبح غير قادر على تلبية حاجياته من السلع والخدمات من خلال دخله العادي. في حالة الجزائر أين تسير الحكومة نحو تعديل قانون القرض والنقد، أكد الوزير الأول أن الجزائر بحاجة إلى 200 مليار دينار شهريا لتسيير أمورها العادية، ومع قرب نضوب أموال الخزينة العمومية التي بلغ رصيدها الحالي 360 مليار دينار، فالجزائر حسب الوزير الأول دائما لن تكون قادرة على دفع أجور العمال في نوفمبر لأنها ستستهلك 200 مليار دينار من 360 الموجودة في الخزينة، مما يجعلها في عجز شهر نوفمبر القادم يقدر ب60 مليار دينار. إن الخطة تقضي إذا بطبع 200 مليار دينار شهريا أو ما يعادل 2 مليار دولار، ستوجه لتسيير الأمور العادية للدولة، مما يعني احتمال طبع ما يفوق هذا الرقم لتغطية الدين الداخلي خلال الأشهر الأولى للخطة الممتدة لخمس سنوات، وهو ما قد يوصل عملية الطبع لضعف الحد الأدنى شهريا، أي ما يعادل 400 مليار دينار جزائري إن لم يتجاوز هذا الرقم. ومما سبق فالنقود التي سيتم طبعها ستساهم في إعادة الحركية للمشاريع العامة المتوقفة خاصة في قطاع البناء والمنشآت العامة كالطرق والجسور والمدارس والمستشفيات وغيرها من المشاريع ذات المنفعة العامة، من خلال دفع مستحقات الشركات التي عملت وتعمل دون أن تتقاضى أتعابها، إلا أن هذا النهج من الصعب أن يستطيع خلق قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني الموجود في حالة انكماش حقيقي نظرا لتراجع مداخيل المحروقات، في حين أن الإنفاق العام قادر على تحريك اقتصاد إن كان في حالة الركوك كما فعل كينز في 1929 بالاقتصاد الأمريكي، والفرق كبير جدا بين الركود والانكماش. إن الخطورة تتمثل في عدم قدرة الجهاز البنكي على احتواء الأموال المطبوعة الموجهة لدفع الدين الداخلي نظرا للجمود الذي يميزه، وهو ما يجعل هذه الكتلة تتسرب إلى السوق الاستهلاكية المحلية، مما يرفع الكتلة النقدية المتداولة في السوق مع ثبات السلع والخدمات فيه نظرا لتراجع الاستيراد، الأمر الذي سيجعل الأسعار ترتفع إلى الضعف مع نهاية ال2017 وتتضاعف إلى حد 04 مرات في حدود 2018، يضاف إلى ذلك سرعة فقدان الدينار لقيمته في السوق السوداء، خاصة مع الخطاب التشاؤمي للحكومة، والذي جعل عديد رجال الأعمال يسارعون لتحويل ما يكتنزونه من دنانير خارج الجهاز البنكي إلى السوق غير الرسمي للعملة، سوق تعودنا أن يتم تمويله من المستوردين أصحاب الرخص، الذين يستفيدون من العملة الصعبة بالسعر الرسمي ليعيدوا بيعها في السوق السوداء بأرباح قد تصل إلى 50 c/o، وتيرة كلما تسارعت كلما تم فقداننا للاحتياطي النقدي الجزائر بشكل أسرع. إن الحكومة رغم مضيها في تعديل قانون النقد والقرض قبل نوفمبر القادم، إلا أنها لم توضح لنا كاقتصاديين الخطوات التي ستتخذها من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد وتنظيمه، لا على مستوى السوق النقدية، ولا على مستوى تطوير الميكانيزمات الاقتصادية ولا حتى المالية، وهو ما يجعلنا نتخوف من ارتدادات عكسية لطباعة النقود على الاقتصاد الوطني، في ظل غياب رؤية اقتصادية واضحة ومتكاملة، خاصة أن الحكومة ستكون لها اليد الطولى في طباعة النقود. وإن تم إقرار لجنة رئاسية لمراقبة العملية، يبقى احتمال انهيار قيمة العملة الوطنية خلال السنتين القادمتين كبيرا، لعدم وجود تطمينات حقيقية من الحكومة، التي فقدت ثقة الشعب نظرا للتناقضات الكثيرة التي يحملها خطابها، حالة من الهلع لا نتمنى الوصول إليها لأننا لن نستطيع التعامل معها، خاصة أن الوزير الأول قال إننا إن لم نطبع النقود فلن نجد مصدر لدفع أجور البرلمانيين وتعويضاتهم، وهذا يعاكس طرحه القائل أن الأموال ستوجه للإستثمار، فمن نصدق في ظل هذه التناقضات؟. إن الحل اليوم يكون في فتح العديد من الملفات الاقتصادية العالقة، وبعث إصلاحات عميقة في مفاصل الاقتصاد الوطني من خلال: -1 توحيد الرؤية الاقتصادية ببعث وزارة اقتصاد توجه السياسة الاقتصادية مجال التجارة، الصناعة والمناجم، الفلاحة والطاقة. -2 عقلنة استعمال الاحتياطي النقدي الذي يبقى أمل الجزائريين في المحافظة على التوازنات الاقتصادية الكبرى للجزائر خلال السنتين القادمتين، والذي إن استمرت وتيرة استغلاله كما هي عليه، سيتدنى إلى أقل من 50 مليار دولار مع نهاية السنة القادمة. 3 – إعادة النظر في النظام المصرفي الجزائري الذي يعاني من الثقل والبطئ وغياب الديناميكية الناتجة عن النمط التقليدي الذي يسير به، وغياب التقنيات التكنولوجية الحديثة في مجال الدفع الإلكتروني، والتي نبقى بعيدين عنها نظرا لتخلف أنظمة المقاصة داخل البنوك الوطنية. -4 الإبقاء على قاعدة 51-49 في القطاعات الإستراتيجة فقط، والتخلي عنها في باقي المجالات لفتح السوق الوطنية على رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا المتقدمة. -5 الاهتمام بقطاع الفلاحة والاعتماد على الحلول العلمية لزيادة إنتاجية الأراضي الجزائرية التي تعتبر الأخصب على مستوى البحر الأبيض المتوسط . -6 تقليل القيود على دخول رؤوس الأموال من الخارج، خاصة بالنسبة للمهاجرين الذين يعانون لإدخال أموالهم. -7 مراجعة السياسات القطاعية خاصة القطاعات المستهلكة للأموال، كقطاع السكن والأشغال العمومية. -8 إعادة ضبط دور الدولة وتحويلها تدريجيا لدولة ضابطة مراقبة للسوق، والتحكم في السوق غير المنظم، لأجل استرجاع ما يفوق 50 مليار دولار المتواجدة خارج الجهاز المصرفي، والتي سيتسبب توجهها إلى سوق العملة غير المنظم إلى انهيار تاريخي للعملة. -9 تقديم دراسات محلية على مستوى الولايات والبلديات من أجل تحديد الحاجات التنموية ومحاولة توفير الNمكانيات اللازمة لتنمية محلية مستدامة، ومنح البلديات الحق في التفاوض حول الاستثمارات الصغيرة التي لا تتجاوز 1 مليار دينار. -10 محاربة الفساد الإداري وترقية الخدمات الإلكترونية لمحاربة البيروقراطية التي جمدت الاستثمار على مستوى الولايات. تملك الجزائر اليوم مساحة مناورة محدودة اقتصاديا قد لا تتجاوز السنتين، فإما أن نستغل هذه الفرصة ونغتنمها بشكل حقيقي من خلال إرادة سياسية حقيقية، تترجم من خلال خطة اقتصادية متكاملة، تنظم الاقتصاد الوطني وتعيد ترتيب أوراقه، أو لنتحمل تبعات انهيار الاقتصاد الوطني في آفاق 2020، لأن عدم إرفاق طبع النقود بإجراءات إعادة هيكلة للاقتصاد الوطني سيجعل العملية بمثابة الكارثة التي لا يمكن بعدها إعادة الاستقرار للاقتصاد الوطني.