محمد مصطفى حابس: ستوكهولم/ السويد بعد الندوة الدولية التي نظمت منذ ثلاث سنوات خلت في سويسرا، أيام 25 و26 ديسمبر 2014، تحت عنوان "دور الوقف في تنمية الأقليات الإسلامية في أوروبا"، وبعدها ندوة مماثلة في فرنسا، برعاية كل من البنك الإسلامي للتنمية بمدينة جدة السعودية، والأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، وقد حضر المؤتمر ممثلون ومهتمون بالموضوع من جل بلدان القارة الأوروبية، وكذا ممثلون عن وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول الخليج العربي. وتبركا من جهة أولى ببدء نجاح هذه التجارب الوقفية الفتية المثمرة في أوروبا، ونظرا لأهمية الوقف الإسلامي عموما عبر العصور بما له من طبيعة بناءة ومستقرة وشاملة من جهة ثانية، تمكن فيها الوقف أن يكون اليوم الركن الاقتصادي الركين في إسناد ودعم الأقليات الإسلامية في الغرب عموما على اختلاف مذاهبها وأصولها، الأمر الذي يمكن جاليتنا من تنظيم شؤونها واستقرار مؤسساتها. و عملا بمبدأ "الوقف باق أصله ودائمة منفعته"، نظمت بداية شهر نوفمبر الحالي، الأمانة العامة للأوقاف الكويتية بالتعاون مع شريكها الإستراتيجي البنك الإسلامي للتنمية بجدة السعودية، ووقف الرسالة الاسكندنافي في مدينة أوربرو بمملكة السويد، أقام وقف الرسالة الاسكندنافي يوم الجمعة الماضي إلى غاية يوم الأحد، ولمدة ثلاثة أيام، ندوة علمية بعنوان: (دور الوقف الإسلامي في التنمية المستدامة للمجتمعات الاسكندنافية)، وحضر هذه الندوة أكاديميون ومتخصصون وإداريون وعاملون في مجال الوقف من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، ناقشوا على مدار أربع جلسات كيفية نقل وتبادل التجارب في مجالات العمل الوقفي، وسلطوا الضوء على الكثير من التجارب الاستثمارية الوقفية الناجحة، كما نبّهوا لأهمية الالتزام بالضوابط والقوانين الوقفية في النظام الإسكندنافي، وتناولوا دور الوقف في دعم العمل الدعوي، وفي تنمية المجتمع، بالإضافة إلى معرفة نظم البناء المؤسسي للأوقاف، وإبراز النماذج الوقفية الرائدة في البلاد الإسكندنافية، حيث تم الافتتاح في الساعة الخامسة مساءً من يوم الجمعة، وقد تخلل هذا الافتتاح كلمات عديدة منها: كلمة وقف الرسالة الاسكندنافي – معد هذه الندوة -، والأمانة العامة للأوقاف في الكويت، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب للبنك الإسلامي للتنمية – الراعيان الرئيسيان لهذه الندوة – ، وكلمات أخرى ككلمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي، بالإضافة إلى كلمة لضيوف الشرف وكلمة للمتحدثين وأخرى للمشاركين. كما تم الإعلان الرسمي عن تشكيل مجلس العلاقات الإسكندنافي الذي سيتولى مهمة التنسيق بين الجمعيات والمؤسسات الإسلامية العاملة في اسكندنافيا، بالإضافة إلى تدشين موقع اسكندنافيا "ديلي نيوز" الرديف الإعلامي للمجلس الإسكندنافي للعلاقات، وقدمت حينها أول ورقة بعنوان،" اكتشاف ظاهرة تحديد مطلع الفجر الصادق باستعمال تقنيات تحليل الصور لتوحيد مواقيت الفجر و الإمساك"، للدكتور رفيق وارد من سويسرا، وهو مشروع يطمح صاحبه أن تموله مؤسسة وقفية ما ليرى النور قريبا، وتعطي ثماره لجاليتنا المسلمة في الغرب في الأشهر القادمة بحول الله. وفي ختام اليوم الأول، تم توزيع الدروع على كبار الضيوف، ووسام وقف الرسالة للتميز على العديد من المشاركين الذين تميّزوا في مجالات عملهم. أوراق بحثية واعدة ممدودة في جلسات محدودة: وفي الجلسة الأولى لليوم الثاني، قدمت الدكتورة لينا كول، من جامعة أورهوس الدنماركية، ورقة بحثية عن البناء المؤسسي للأوقاف وتطويره عبر السنين في الدانمارك، تلاها المهندس علي سعد الإنّا، متحدثًا عن كيفية الاستفادة من التكنولوجيا في إدارة المؤسسات الوقفية، فيما تناول الدكتور محمد البشاري، أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي، موضوع المواطنة الأوروبية الراشدة ورسالة الوقف. أما الجلسة الثانية، فقدم المشاركون من الكويت، تجربة الأمانة العامة للأوقاف في مجال الوقف، وقام بعرضها الباحث جراح الزيد، فيما تحدث الدكتور رمزي غازي سعود، من فرنسا عن دور الاستثمار الوقفي "الموجه إستراتيجيا" في مرافقة الأجيال الأوروبية المسلمة نحو تحقيق التنمية المجتمعية وصناعة القيمة المضافة، ومن المملكة العربية السعودية قدّم الدكتور عبد الكريم بن عبد الله العبد الكريم ، الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي لشؤون الشباب، ورقة عن دور الشباب والوقف، ثم اختتم الجلسة بالحديث عن التعاون بين الإعلام والمنظمات المدنية. وفي الجلسة الثالثة للندوة، كانت هناك العديد من ورقات العمل، وكان من بينها ورقة عن مبادئ الاستثمار الوقفي، وقدّمها "د. عمر زهير حافظ"، الأمين العام للمجلس العام والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وأخرى عن واقع إستثمار الأوقاف في الجزائر والصيغ المقترحة للنهوض بها، مع عرض التجربة الجزائرية في تطبيقه، وقد"مها "د. موسى عبد اللاوي"، فيما تناول "د. عبد الرحمن كنافي" من المغرب، الصيغ الجديدة لاستثمار الأموال الموقوفة وقفاً عاماً والآليات المتاحة لتطويرها وتنميتها من خلال الإطار القانوني المرجعي المتمثل في مدونة الأوقاف، وكان الحديث عن دور العلاقات العامة في حماية الصورة الذهنية للأوقاف الإسلامية في الدول الأسكندنافية من نصيب "د.أحمد بن موسى بن محمد الضبيبان"، وأما موضوع اللغة الإنسانية المشتركة في المجتمع الاسكندنافي، فكانت ورقة تحدث فيها "د. عبد الله بن سلمان اليحيى". أما الجلسة الرابعة والأخيرة للندوة، فقد كانت عن الدعوة للوقف وتاريخها ومجالاتها، وتحدث فيها خالد بن عبد الرحمن الراجحي من المملكة العربية السعودية، فيما تحدث عن التسويق الإلكتروني للأوقاف، عبد الرحمن بن عبد العزيز المطوع من الكويت، وعن دور الأوقاف في تكوين الأئمة والدعاة في السويد، تحدث الإمام الشيخ سعيد عزام، فيما تحدث عن مناسبة صناديق الأوقاف النقدية الدكتور العياشي فداد، من الجزائر، ممثل البنك الإسلامي للتنمية بجدة، وعن ترسيخ وجود الوقف الإسلامي في اسكندنافيا، الدكتور عبد الله المصري. أما الدكتور عبد الوهاب برتيمة، من المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، فقد قدم ورقة بعنوان "دراسة تحليلية للدور التنموي للأوقاف على ضوء تجربة الجزائر"، لتعطى الفرصة بعد ذلك لتقديم تجارب وقفية في كل من أستراليا و صربيا وروسيا و أوربرو بالسويد.. "الوقف باق أصله ودائمة منفعته" وفي تصريح صحافي، على هامش الندوة، ثمّن المدير التنفيذي لوقف الرسالة الاسكندنافي، حسين الداودي، دور المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، في دعم التجارب الوقفية في الدول الاسكندنافية، وحرصهما الشديد على إنجاح هذه التجارب لتكون نماذج مشرفة للعمل الإسلامي في بلاد الغرب، وقال، إننا نسعى جاهدين لإبراز الوجه المشرق للحضارة الإسلامية من خلال تسخير الإمكانات التكنولوجية والخطط العلمية التي نمتلكها في بلادنا الاسكندنافية، لنؤكد للعالم أجمع أننا مواطنون صالحون نحمل الخير والمحبة لمجتمعاتنا. وأعرب الداودي، عن عميق شكره للأمانة العامة للأوقاف الكويتية، كراع رسمي للندوة، والمعهد الإسلامي للأبحاث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بالمملكة العربية السعودية، كممول رئيس لها، مؤكدا أن ذلك بمثابة محفز رئيس في نجاح التجارب الوقفية بالدول الاسكندنافية، ودعم مبارك لا تستغني عنه التجارب الوقفية الوليدة. من جهته، أكد الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف الكويتية، في بيانه في مستهل الندوة، أن انعقاد الندوة «35» من مشروع قطاف، يهدف لنقل وتبادل التجارب في مجال الوقف، بعد أن تم اختيار الكويت، ممثلة بالأمانة العامة للأوقاف بشكل رسمي، لأداء دور الدولة المنسقة لجهود الدول الإسلامية في مجال الوقف، بموجب قرار اجتماع لوزراء أوقاف الدول الإسلامية الذي انعقد بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا في أكتوبر 1997. وأوضح أن الندوة تهدف لتحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات وحفظ هوية الأقليات الإسلامية في بلاد المهجرو وذلك من خلال الوقف والتنمية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، وبيّن أن الأمانة تسعى من خلال الندوة إلى مد جسور التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الأكاديمية المعتمدة دولياً، والتي لها دور بارز في مجال الوقف، وذلك لإحداث التنمية المستدامة، والتقدم والاستقرار للمسلمين في سائر الدول، وتسليط الضوء على تجارب الأداء الرائدة والناجحة بغرض الاستفادة منها في تنمية العمل الوقفي، وتعميم ما حققته من نجاحات على المستوى الدولي، منها الدول الإسكندنافية، التي تقام بها هذه الندوة، وتستضيفها مؤسسة وقفية غنية عن التعريف في شمال القارة الأوروبية، "وقف الرسالة"، التي تتخذ من مدينة أوربرو في السويد مقرا لها، ولها فروع في كل من النرويج والدنمارك وإيسلندا وفنلندا، وهي مؤسسة تسعى لبناء نموذج مميز يستهدف أبناء الأقليات الإسلامية في إسكندنافيا، وتسهم في تعزيز التواصل الحضاري مع المجتمعات الإسكندنافية بوسائل عصرية، وبناء جسور تواصل بين الشعوب الإسكندنافية من جهة، والعربية والإسلامية من جهة ثانية. [email protected] محمد مصطفى حابس : جنيف/ سويسرا