تعتبر مجلة الدوحة من أهم المجلات الثقافية التي شكلت عبر مسيرتها جسرا قويا بين ثقافة الخليج العربي والمشرق والمغرب العربي، والتي تصدر عن وزارة الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر، وتتوجه المجلة إلى عشاق الثقافة وكسبهم عن طريق النزاهة والابتعاد عن التهويل، حيث حرصت على الحياد التام وتجنب الخوض في المسائل السياسية المباشرة، والتركيز على تنمية الثقافة العامة ونشر المواضيع العلمية والأدبية والتاريخية. تأسست مجلة "الدوحة" منذ سنين طويلة، وتوالت إصداراتها إلى يومنا هذا بشكل شهري حتى وصلت اليوم إلى العدد 125، لكن بين هذا وذاك مرت دوحة المثقفين على عدة مراحل إذ تدحرجت بين الاستمرار والتوقف، لكنها استطاعت الصمود واستقطاب عدد كبير من القراء بفضل صحفييها والمشرفين عليها، بالإضافة إلى مشاركة أقلام صحفية وروائية عربية وأجنبية معروفة، ومن بين هؤلاء الروائي الإسباني خوان غويتسولو والروائي المغربي الطاهر بن جلون، والإيطالي ستيفانو بيني، مما جعل المجلة تساعد القارئ على التعريف بثقافة الشعوب وتزويده بمقالات ثرية ذات اتجاهات فكرية وفنية مختلفة. وقد تعاقب على رئاسة تحريرها العديد من مشاهير الصحافة والأدباء الكبار من أمثال إبراهيم أبو ناب، محمد إبراهيم الشوش، الأديب رجاء النقاش، عماد العبد الله، علي أحمد الكبيسي وغيرهم من الذين مازال اسمهم خالدا في العالم الأدبي والثقافي، أما حاليا فيترأس تحريرها فالح بن حسين الهاجري وخالد العودة الفضلي.
* "الدوحة" تاريخ طويل في عالم الصحافة المكتوبة على مدار 48 عاما، عاصرت مجلة "الدوحة" كبرى الحوادث الثقافية في تاريخ الدول العربية، بغض النظر عن السنوات التي توقفت فيها عن الصدور، وقد صدر أول عدد من المجلة في الخامس من نوفمبر عام 1969، بحجم متوسط باثنتين وسبعين صفحة بالأبيض والأسود، واشتمل العدد على تقديم للأستاذ محمود الشريف مدير إدارة الإعلام في قطر، كما تضمنت الصفحة التالية كلمة لرئيس التحرير إبراهيم أبو ناب، وأخرى لوكيل إدارة الإعلام لشؤون الإذاعة طاهر الشهابي، وتعاقب على رئاسة التحرير بعدئذ فايز صياغ، ومازن حجازي. بعد أن نالت دولة قطر استقلالها في الثالث من سبتمبر عام 1971، تغير مسمى "إدارة الإعلام" إلى وزارة الإعلام" وتم تعيين عيسى غانم الكواري وزيرا للإعلام، فسعى إلى تطويرها لأبعد مدى باعتبار المجلة تحمل اسم عاصمة الدولة القطرية، إضافة إلى ما يمثله اسم "الدوحة" ذاته من إيحاءات وجدانية شفافة ويعني الشجرة ذات الفروع وارفة الظلال. وتعاقدت الوزارة مع بعض الكفاءات العربية للاضطلاع بمهمة التطوير، وتم ترشيح الدكتور محمد إبراهيم الشوش الذي اشتغل منصب رئيس التحرير بتزكية من الروائي السوداني المعروف الطيب صالح، وتولى مهمة المحرر العام الأستاذ عبد القادر حميدة، والفنان محمد أبو طالب مهمة الإشراف الفني. وفي شهر جانفي عام 1976، صدر العدد الأول من المجلة، وبلغت صفحاته 162 صفحة من الحجم الكبير، واختير على الغلاف شعار: "الدوحة.. ملتقى الإبداع العربي والثقافة الإنسانية". وفي 18 ديسمبر عام 1979، عين الأديب رجاء النقاش رئيسا لتحرير المجلة وتميزت هذه المرحلة باستقطاب المزيد من القراء والكتاب، واستطاعت أن تحلّق في فضاء الثقافة، فذاع صيتها على امتداد الأفق العربي، وارتفعت مبيعاتها إلى مائة ألف نسخة شهريا. لكن دوام الحال من المحال فقد توقفت "الدوحة" فجأة عن الصدور، إذ صدر قرار بتعطيل كافة المجلات الحكومية القطرية، وشمل ذلك مجلات: الدوحة، والأمة، والصقر، وذلك في شهر جويلية عام 1986. وبعد توقف دام 21 عاماً عادت الروح إلى المجلة، وصدر العدد الأول في شهر نوفمبر عام 2007، وشغل عماد العبد الله منصب مدير التحرير، وبعد عدة أشهر تولى الدكتور على أحمد الكبيسي رئاسة التحرير، كما شهدت هذه المرحلة إضافة ملحق مستقل بدأ مع احتفالية "الدوحة عاصمة للثقافة العربية" عام 2010 ، واستمر ليعكس النشاط الثقافي الكبير الذي تشهده دولة قطر. وفي شهر جوان 2011 شهدت المجلة تطورا في المضمون والشكل، وأرفقته بكتاب "الدوحة الشهري" الذي يوزع مجانا مع كل عدد، ويتميز الكتاب بتقديم نماذج عن كتابات النهضة العربية في النصف الأول من القرن العشرين. وكان الكتاب الأول "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبد الرحمن الكواكبي، وبعده توالت الكتب من مختلف الاتجاهات الفكرية والفنية، إكبارا لروح التعدد وقيم الاستنارة والقبول بالاختلاف، وتولى إدارة تحريرها الروائي والصحفي عزت القمحاوي. أما غلاف المجلة فيتغير مع كل عدد، تميزه تلك الرسومات التشكيلية التي تجعل القارئ يغوص في عالم من الألوان قبل أن يغوص في أعماق حروفها.
* من حقول المعرفة تمد فروعها لكل القراء العرب اشتهرت مجلة الدوحة بسمعتها الطيبة وتاريخها الطويل عربيا ودوليا، قبل الاحتلال وبعده لكونها مجلة تمتاز بتنوعها ومقالاتها وحواراتها الهادفة وزواياها الثابتة، بالإضافة إلى ملفاتها في الثقافة الفن والرياضة والاقتصاد، وينتظر متابعون هذه المجلة بشغف ولهفة كل شهر لاقتناء عددها الجديد حتى يطلعوا على ما ينير فكرهم وعقولهم ويشبع ثقافتهم، إذ تعتبر "الدوحة" أحد المقومات التي لا يستغني عنها القارئ العربي لما توفره لهم من مقالات ذات اتجاهات مختلفة وتعزز ثقافتهم بشكل كبير. نجاة دودان