بقلم: جمال نصرالله تكاد تكون فرنسا هي الدولة الأوربية الوحيدة الأكثر حساسية من الإسلام، ليس بحكم أنها تضم أكبر الجاليات العربية، ولكن بحجة أنها أكثرهم بكاء ونحيبا؟!، حتى لا نقول ادعاءً بأنها الضحية في كل مرة من قبل بعض الأحداث، والمتسبب فيها دوما إسلامويون وليسوا مسلمين..والقاصي والداني بات يعرف الفرق الشاسع بين المصطلحين، ممن هم دخلاء على الإسلام، يوم أخذوا منه القشر وتركوا الجوهر والمقصد، فراحوا يطبقون بعض الأحكام الصادرة من قناعة بعض الدعاة المتشددين ورؤيتهم الضيقة والمتعصبة للحياة خاصة من بعض السلف، وحتى المعاصرين ممن يملأون القنوات بفتاو غريبة؟!، تاركين المقاصد الشرعية التي اتفق كبار الفقهاء حولها، كمسائل من قبيل جهاد الطلب والدفع، وفهمهم الضيق لعدة قضايا تخص قضايا هي محل خلاف لحد الساعة. مجموعة المثقفين الذي ساروا في الشوارع، بما فيهم أئمة مساجد ورئيس دولة سابق، وحتى بعض المحسوبين على أهل السنة (وهذا لإعطاء صبغة المصداقية على الحملة) طالبوا كما هو معروف بحذف آيات من القرآن الكريم معظمها -كما يقولون- تحث على كراهية ومعاداة السامية، بل قتل اليهود أينما حلوا ووجدوا؟!، مبينين في هذا المقام ما جاء في سورة التوبة والبقرة وآل عمران مثلا..والغريب حقا أن آيات القتال والاقتتال سبق لكثير من الدارسين أن ناقشوها وأخلصوا إلى مفاهيمها القطعية، وأن خطأ هؤلاء هم حكمهم على ظاهرية النصوص، فقد جاء مثلا في القرآن (قاتلوا الذين)، ولم يقل ربنا سبحانه أقتلوا الذين، والأكيد أن هناك فوارق شاسعة بين الدعوتين الدالتين على المضامين الصريحة والباطنية معا، وأن الفهم السيئ دائما وأبدا يؤدي إلى القناعات السيئة. الأغرب من كل هذا، أن هؤلاء معشر النخبويين قالوا بالحرف الواحد يجب تعطيل الآيات وليس حذفها، دون أن يقدموا الصيغة والكيفية التي يتم بموجبها فعل التعطيل (هل الإبقاء عليها داخل النص القرآني، ومن ثمة عدم الإيمان بها)، فإن كان هذا هو المراد فليعلم هؤلاء بأن الكثير من الآيات قد تصرف فيها الفقهاء والعلماء، وتم تعطيل مفعولها ولم يُعمل بها منذ قرون، كآية قطع اليد والمؤلفة قلوبهم وأهل الذمة وموضوع الرق وملك اليمين وكذا حد الرجم الزاني والزانية، وهذا تماشيا مع متطلبات الحياة وتغيّر الظروف من حقبة لأخرى.. حين طرأت قوانين ومراسيم جديدة تنظم الحياة المدنية للبشر، وهذا يدل دلالة موجبة بأن الإسلام هو دين رحمة ومودة، وهو الإطار التنظيمي المحكم، والذي يليق بالبشرية السمحاء التي تبتغي العيش في كنف السلم والاستقرار. ألم ينتبه هؤلاء للآيات التي تدل على التعايش بين البشر كافة، ألم يقرأوا آيات (لا إكراه في الدين)، (ولكم دينكم وليّ ديني)، (ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، (الكهف) (ثم جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، زيادة على أن الإسلام ومصدره القرآن هو الدين السماوي الذي يعترف بالديانات الأخرى، ويحث على عدم ازدراء أيا كان منها، ومن خلاله آمنا بعيسى وموسى ونوح وداوود وآدم كأنبياء وأصحاب رسائل… فلماذا لم ينتبه هؤلاء لمثل هذه الآيات، وراحوا يركزون فقط على البعض منها، ممن جاء لحاجة ظرف ما، يوم كانت الحروب والمعارك والغزوات بداية الدعوة، بحيث هي تضم في مضمونها الشد على الهمم، ومحاربة المشركين ممن اعتدوا وبادروا بالظلم، وكذا الآيات التي تدعو لمحاربة المنافقين والمارقين المتجبرين ممن عاثوا فسادا في الأرض، ومن جهة نطرح سؤلا قيما. وقد بحثت شخصيا لمدة عن آيات القتل والقتال في التواراة والإنجيل، فوجدت مثلا في سفر التثنية (وإن أغواك سرا أخوك، ابن أمك أو ابنك، أوامرأة حضنك أو صاحبك، وقال نعبد آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا أباؤك، فلا ترضى منه ولا تسمع منه ولاتشفق عليه، بل قتلا تقتله وترجمه بالحجارة حتى يموت)، وفي التكوين جاء (أما الذكر الأعلف الذي لا يحتن في لحم عزلته فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه قد نكت عهدي)، ثم في لاويين (وإن كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة، فإنه يقتل بالحجارة، وكل إنسان سب أباه أو أمه فإنه يقتل، وأما الإنسان الذي يتنجس ولا يتطهر فتباد تلك النفس من بين الجماعة، ثم وليّ الدم يقتل القاتل حين يصادفه)، فلاحظوا معي بشاعة الإنسانية هنا، والتي لا توجد في الإسلام العظيم، بل ديننا الحنيف متسامح، ودائما نقرأ إن الله غفور رحيم، مهما ارتكب الإنسان من معاصي وذنوب..ويدعونا الإسلام دوما للطهارة والعفة، وليس الجنب والنجاسة؟!. إن قناعات المسلمين بدينهم وفخرهم به، لم يكن في يوم من الأيام، خطيئة أوتعصبا، وإنما اعتزازا، لأنه دين الرحمة والتراحم، ولنا في ذلك آلاف الأمثلة الحية، ولا يمكننا بأية حال أن ننحاز باتجاه من يأوّل المعاني باحثا بشتى الطرق عن عثرات هذا المضمون أوذاك، لأجل أن يسارع في الحكم بأنه دين عنف، وجاء ليفرض نفسه بحِدة السيف، أما إذا كان هؤلاء الأنتلجسيين يتكأون على بعض الأحاديث فليعلموا وليفهموا أن الجميع اتفق بأنها أحاديث مكذوبة على رسول الله وضعيفة السند بل مدسوسة وموضوعة من بعض الفرق الشيعية المجوسية النُصيرية الحاقدة ومردودة، ولا علاقة لها بالسيرة المحمدية الطاهرة، لا لشيء سوى أن محمد هو نبي مبجل من السماء، وهذا يدل بأنه براء منها براءة العظماء المظلومين أحباب الله الأتقياء الصالحين…أخيرا نقول لهؤلاء سوف تعجزون، وشطحتكم هذه قد تم مناقشتها عشرات المرات في عدة منابر والمناظرات، ولكن معشر العارفين تصدوا لها بالحجج والبراهين، أما باقي الناس من الدهماء، فأنتم تعلمون بما سوف يصفونكم، حين يعلموا عن خرجتكم هذه.. شاعر وصحفي جزائري [email protected]