فقد روى لي يوما كاتبٌ جزائري أقام سابقا في فرنسا (محمد شوقي الزين)، له اهتمام بالتصوف والمتصوفة، أن جل الدارسين الغربيين لتراث الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، غالبا ما يقعون في أسره ويكتشفون الإسلام من بابه. في واقع الأمر إن بعض الفلاسفة والشعراء والمتصوفة لهم سطوة وسحر على قرائهم، نجد ذلك مع هايدغر ونيتشه وابن خلدون وابن عربي، ولا يجد القارئ محيصا منهم، حيث لا يلتهم القارئ أعمالَهم بل يلتهمونه هم بأرواحهم. ورينيه غينو من هذا الصنف الآسر في الغرب، لا سيما في أوساط المولَعين بالدراسات الروحية ودراسات الأديان، وربما ذلك ليس له ما يضاهيه في الأوساط العربية أو الإسلامية. ولعل بعض الشوائب قد أبقت عبد الواحد يحيى (غينو سابقا) خارج الاحتفاء به من قبل الإسلام النهضوي أو الإسلام الإحيائي عامة، لكون الرجل باطنيا وماسوني المنشأ، مما أبقاه في دائرة المشبوهين. بحثٌ عن روح الإسلام النقية في السيرة المدوَّنة من قِبل بول شاكورناك "حياة رينيه غينو البسيطة"، يقول: نحن بصدد الحديث عن شخص "يتعذّر تصنيفه"، فليس ثمة أي لقب من الألقاب السائدة يمكن أن ينطبق عليه. والمتمعّن في كتابات غينو ومقالاته يدرك يقينا ذلك، فلا هو بالفيلسوف، وإن درَس ودرّس الفلسفة (كان ذلك في مدينة سطيف في الجزائر سنة 1917)، ولا هو بالقائل بالمذهب التيوصوفي، وقد محّص تقاليد من سبقه ومن جايَلَه، ولا هو بالمستشرق، مع إلمامه بتفاصيل الشرق بشكل مدقق، ولا هو بالحداثي أو التراثي، وإن شغلته وقائع الإنسان قديما ومصائره حديثا. إن عبد الواحد يحيى (رينيه غينو) خارج تلك التصنيفات، وهو بالفعل إنسان رباني باحث عن معراج ملكوت النور طلبا لوجهه تعالى، وقد شاء القدر أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في أرض مصر، وهو يردد اسمه جل شأنه: الله.. الله. ففي زمن كان فيه العالم الإسلامي يشهد انهيارا مريعا كان غينو يبحث عن روح الإسلام النقية. وما كانت معرفة الرجل بالتراث الروحي الإسلامي والهندي متأتية من تأمل في المدونات والمتون فحسب، بل باحتكاك مباشر بمن يكابدون في طريق العشق.كان يطوي المعارف طيا وتقاليد الأديان قبضته، فقد يسّر له إلمامه باللغتين العربية والسنسكريتية ذلك، فضلا عن إتقانه اللاتينية والإغريقية والعبرية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والروسية والبولندية، يسّر له ذلك التعدد اللغوي سُبلَ المقارنة والمقابلة بين العقائد والمفاهيم، ولذلك مما يميز المسار الغينوي في التحول نحو الإسلام هو الرصانة والتأمل والتريث، أي النضج على نار هادئة كما يقال، وهو ما يختلف مع التحول على عجل، الذي غالبا ما يعقبه رحيل نحو معتقد آخر أو انحراف. الحلقة الأخيرة عزالدين عناية