صار الإعلام في العالم القوة رقم واحد من خلال تأثيره على الرأي العالمي وتحديد قرارات الدول حكومة وشعبا، ونقصد الإعلام بجميع أنواعه الكلاسيكي منه إذاعة وتلفزيونا وجرائد، والحديث أي ما يعرف بالإعلام البديل. والحقيقة أن الإعلام مصاب بعدة أمراض تجعله يحيد عن دوره الأساس في توعية الرأي العام وتنوير عقول الشعوب، وصناعة الحضارة الإنسانية، ويعد النفاق وتزييف الوقائع في الإعلام وللأسف الشديد أخطر مرض يفتك به كقيمة أخلاقية وقيمة مضافة في المنظومة العالمية والعربية. وأصبح الواحد منا يثق بالإشاعة أكثر مما يثق في الإعلام، أو أصبح يأخذ الخبر من مصادر لاترقي إلى الاحترافية وقوة الدليل؛ هذه الظاهرة تعرف بالبروباغندا. وهذه الكلمة إنجليزية الأصل وتترجم (Propaganda) بمعني [الدعاية – الترويج – التبشير] وهي نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص، ولا يهم صدقها من كذبها. يقول أحد المفكرين[ يمكن أن تكون الكذبة قد جابت نصف العالم فيما الحقيقة لا تزال تتأهب للانطلاق» وهذا دليل على الخطر الكبير للكذب في الإعلام مهما كان اختصاصه، فالإعلام السياسي والإعلام الاقتصادي والإعلام الاستقصائي، تتساوى في الخطر حين تكون وقودا للمشاكل وخلق للصراعات المحلية والإقليمية وتزييف للتاريخ الإنساني. وللأسف الكثير من الحروب والأزمات الاقتصادية العالمية كان أصلها مجرد إشاعة أو نشر أخبار مغلوطة وكاذبة لهدف معين. لو بحثنا في التاريخ الإسلامي فقد كانت هنالك تجربة صعبة للرسول صل الله عليه وسلم فيما عرف بحادثة الإفك: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَّوْلَا إِ ذْ سَمِعْتُمُوه ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}. وفي هذه الابتلاء العظيم أعطى المسلمون أجمل الأمثلة في التعاطي مع الشائعات والتلفيقات الكاذبة ودعاة الفتن والكذب، أولا بالتجاهل التام، والتأكد من مصادره والسيرة الذاتية لمروجيه، وأيضا معرفة الأهداف المرجوة من هذه الإشاعات؛ يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. وخلق التبين والتحري أشد ما نحتاجه الآن خاصة مع تصادم الأفكار وتكاثر مصادر الأخبار المتبنية للدعاية المغرضة والناشرة للأكاذيب التي لا فائدة منها إلا نشر الفوضى وغياب الأمن. كانت [البروباغندا] هي أبرز الوسائل المستخدمة في الحرب الباردة وتقوم على نشر الأفكار من أجل التأثير على السلوك الإنساني والدفع به إلى تقبل فلسفة ما أو معاداتها بوسائل الإذاعات الصحف القنوات التليفزيونية الإشهار النشريات السرية. وهذا التحليل لأحد الباحثين في أسباب الحرب الباردة في قطبي العالم سابقا الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدةالأمريكية، ما يظهر خطرها وتعقيدها؛ ومع ظهور ما يعرف بالربيع العربي تبنت الكثير من القنوات العربية ووسائل الإعلام وللأسف الشديد ما يعرف بالنفاق في الإعلام وبطريقة فاضحة ومفضوحة، ويرجعها البعض إلى عوامل سياسية وأهداف اقتصادية وجيوسياسية خفية هي التي تقوم بتغذيته وتعينه على النمو والحياة، وقد ساهم ضخ الكثير من أموال بعض الدول من المليارات في ظهور الكثير من القنوات ومنصات التواصل، عملت على تأجيج نار الفتنة والحرب خاصة في منطقة الشرق الأوسط والتحريض على الاقتتال الطائفي. #[email protected] رابح هلالات