بمناسبة الذكرى السبعين لصدور كتاب ' شروط النهضة‘لمالك بن نبي مؤتمر دولي في جامعة حمد بن خليفة 2 الى 4 فبراير2019م تستضيف الدوحة على مدى ثلاثة أيام مؤتمرا دوليا متميزا احتفاءا بالذكرى السبعين لصدور كتاب شروط النهضة لمالك بن نبي رحمه الله ،ويتوقع المنظمون أن “يكون المؤتمر فضاءا للعلماء والمفكرين الباحثين لمدارسة المشروع الفكري لمالك بن نبي، والقيام بعمل تقييمي استشرافي؛ يقيِّم مشروع النهضة وأطروحته، ويستشرف آفاق تطويرها والانتقال بها إلى مستوى مستقبلي ينقل أمتنا من التناول الجزئي العشوائي لمشكلات نهضتها إلى التناول السُنني العلمي القائم على إعمال سنن الله في الآفاق والأنفس والتاريخ لإحداث نقلة في واقع مجتمعاتنا الاسلامية نحو تحقيق السيادة والاستقلال والريادة الحضارية واستعادة دورها الحيوي في المجتمع الدولي.” لماذا عاد بن نبي؟ تقول الدكتورة رحمة ابنة المفكر مالك بن نبي، مُعلِّقة على كتاب الأفرو-آسيوية (في مقدمة كتاب الافرواسيوية والوسط الإنساني)، والذي ضُرب عليه جدار من التضييق ومحاصرة الأفكار الواردة فيه، تارة لجهل وقلة استيعاب، و تارة من المختبرات العالمية المناهضة لأي تقارب يرتقي بالإنسانية الى ما يليق بها، تقول الدكتورة رحمة والتي ستكون حاضرة بمؤتمر الدوحة، في مقال لها تحت عنوان:”لقد تحققت نبوءة أبي ،سأعود بعد ثلاثين سنة” : “وأذكر أنه قال قبيل وفاته إن فكره سوف يعود بعد 30 سنة، فقد كان يدرك أن فاعلية الأفكار مرتبطة بالمحيط الذي تولد فيه وتنتج فيه… كان يدرك أن التاريخ قد عرف من قبل تأجيلا لتفعيل الأفكار، وأن أفكاره سَتُفَعَّلُ في يوم ما”. قلت: “لم نتذكره عبثا بل تذكرناه لأنه قد حان الوقت للتذكر. يعرف عن فيكتور هوجو أنه قال: قد تهزم جيوش ولكن لا تهزم فكرة،،،،،،، وقد حان وقتها، وقت فكر مالك بن نبي ربما قد حان، فقد ينسى الإنسان أو ينسى المجتمع أفكارا صدفة أو عبثا ولكن لا يتذكرها عبثا” أجل عاد بن نبي ،و قد عزَّزَ عودته سعادة سفير الجزائر الحالي لدى الجمهورية الموريتانية الأستاذ نور الدين خندودي ،بإصدار متميز سنة 2008 عن دار النشر عالم الأفكار بعنوان العائد ،وقد تولى توثيق هذه العودة أيضا الكثير والكثير من الجهود العلمية المتفردة والمخلصة ،كتلك التي بُذلت من عديد الطلبة والباحثين والمهتمين ،كما تشهد على عودة بن نبي جامعات عريقة في الشرق خاصة في ماليزيا وإندونيسيا وغيرها من الدول ،و التي جعلت فكره ومؤلفاته جزءا من برامجها التعليمية ،،،،،عاد بن نبي عبر عشرات المؤتمرات والملتقيات عن فكره ،كما هو الحال لمؤتمر الدوحة الذي يحتفي بكتابه أسئلة النهضة . عاد بن نبي عبر تسمية دفعات هائلة من الطلبة في مشارق الأرض ومغاربها باسمه ، تكريما لفكره ،وتقديرا لكل ما نبَّه إليه ونحن نعيشه واقعا مريرا يحيط بنا، ولا أدلَّ على ذلك من قوله “إن التغيير واقع لا بد منه، فإن لم يأت من الداخل فسوف يفرض من الخارج “،وهذا ما عشنا منه فصولا عديدة خاصة في عالمنا العربي تحت مسميات متعددة ،وأجندات متنوعة وذرائع مختلفة ،حتى انتهى بنا الأمر إلى دول مسلوبة القرار ،وشعوب تتقاسم مشتركا واحدا ألا وهو “متلازمة لا جدوى من فعل أي شيء “. يستمر التساؤل عن تغييب بن نبي ثم تذَكُّرِه، وهنا تقول الدكتورة رحمة بن نبي: فمالك بن نبي نتذكره اليوم كما قلت لأسباب تاريخية، وأسباب أخرى منها: إخفاق البدائل التي طرحت في الساحة الإسلامية، فالإخفاق جعلنا ربما نتذكر مالك بن نبي ونبحث في قراءة جديدة لفكر مالك بن نبي. وتضيف بالقول: كان مالك بن نبي من خلال كتاباته قد أنذر وأعلن إفلاس تلك الإيديولوجيات التي تحمل تناقضا يجعلها غير منسجمة مع الواقع الاجتماعي والثقافي في المجتمع الإسلامي وفي الساحة الإسلامية العربية أو غير العربية فكان فشلها حتميا. لقد رصد مالك بن نبي تلك الحقيقة قبل أن تتجلى في الواقع، وأطلق على تلك الأفكار مصطلح الأفكار المميتة أو الأفكار القاتلة. نعم عاد بن نبي عبر مئات بل آلاف النسخ من إصدارته التي أعيد طبعها، وأقبل عليها الشباب اقبال النحل على الزهور، نعم عاد بني عبر تسمية مدارس ومنتديات وجوائز للبحث والتميز الفكري باسمه، عاد بن نبي من الدوحة لينبثق عن المؤتمر سكرتارية خاصة بمقومات النهضة ،تتولى تجسيد مخرجات المؤتمر والعمل على ضمان انعقاده في دول أخرى ، عاد بن نبي الذي طالما كان يخبرنا منذ بداية إنتاجه الفكري “أن العالم يتجه نحو التكتل وأن على الإسلام أن يوجد أو يعيد دوره الحقيقي ألا وهو الدور الاجتماعي الإنساني، فليست القضية كما كان يقول “أن نقاطع الحضارة الغربية التي تمثل إرثا إنسانيا هائلا و إنَّما القضية هي قضية تحديد و تنظيم هاته العلاقة مع تلك الحضارة “. نعم عاد بن نبي ليؤكد مرة أخرى أن الاهتمام بفكره والانتباه الى انتاجاته إنما عبارة عن “رمز لعصر الحضارة الإنسانية” التي كان قد رصد معالمها، ومن يدري فلعل هذا الاصطفاف في الجبهة الفكرية، قد يكون خطوة حقيقية نحو لبِّ الحضارة. هنا بالدوحة، احتفاء بمالك، يذكرنا بروح قرطبة، قرطبة التي تساءل خليفة المسلمين في الاندلس عمَّا يميِّزها عن اِشبيلية مثلا، في احدى جلساته بالديوان بحضور العلامة ابن رشد والذي رد عليه قائلا: “إذا مات فنان في قرطبة بيعت آلاته الموسيقية في اشبيلية، أما إذا مات عالم في اشبيلية بيعت كتبه بيعت في قرطبة” هكذا كانت المدن تحتفي بالعلماء كما تفعل الدوحة هذا الأسبوع. هذا ويطرح المؤتمر أسئلة جوهرية شكَّلت محاورَه العشرة، اليكم تفاصيلها: 1. كيف بنى مالك بن نبي مشروعه لشروط النهضة الحضارية؟ أي كيف شخص وضع الأمة وحلل أزمتها الحضارية؟ وما هي النتائج التي انتهى إليها؟ وما هي الأدوات المنهجية والمعرفية التي استعملها في ذلك التشخيص وفي الوصول إلى تلك النتائج؟ 2. ما هي مصداقية التشخيص الذي قدمه مالك بن نبي لوضع الأمة وأزمتها الحضارية؟ وما هي مصداقية النتائج التي انتهى إليها ذلك التشخيص؟ وما هي المصداقية العلمية للمنهج الذي استعمله في ذلك كله؟