الوفاء للوطن يعني الوفاء للدين.. 12ديسمبر 2019م محطة للوفاء.. الوفاء للدين، الوفاء للقيم الأخلاقية، الوفاء لمبادئ الشهداء، والوفاء للقيم والمبادئ الوطنية، ومن الوفاء أداء الحقوق والواجبات في الاستحقاقات الوطنية القادمة 12/12/2019م ((لو التزم كل منا بما عليه من العهود والأمانات والشروط لغمرت الناسَ مشاعرُ الرضى والسرور والغبطة، ولكان كل منهم يبيت ويصبح مرتاح الضمير قد أدى الذي عليه، ولكان كل منهم يشعر بالأمان والاطمئنان.. كل ما تكون مناسبة مصيرية ومنعرجات في مسيرة الأمة تظهر تحركات ومؤامرات وإرجافات وإشاعات والتشكيك في كل شيء، تريد إفساد هذه الوثبة الوطنية بدون إعطاء بدائل ولا دراسات مقاربة ولا معرفة المآلات ومن ثم يريدون أن يشعلوا نار الفتنة في المجتمع. وإنَّ إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أمَّته بما يكون بعده من الفتن، لم يكن لتستسلمَ الأمَّة لوقوعها، وتنتظر نزولها؛ ولكن المقصود منه التَّحذير من ملابستها، والتَّخويف من التَّعرُّض لها، والحثُّ على مجانبتها، والتَّحريض على مدافعتها. عن المقداد بن الأسود قال: ايم الله، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا”. وهناك من الأسباب، تقي إذن الله من أخذَ بها من تلك الفتن إذا نزلت؛ فمنها: 5 دعاء الله، والاستعاذة به، والتَّضرُّع له، وانكسار القلب بين يديه، وإظهار الافتقار إليه، والتَّبرُّؤ من الحول والقوَّة إلاَّ به وأن يجعل له فرقانًا، وهو الهُدى والبصيرة الَّتي يفرِّق بها المؤمن بين الحقِّ والباطل، والهدى والضَّلال، ودعاة الرُّشد ودعاة الفتنة. وأن الفتن تقع عند فقدان العهود فالتمسك بالعهود يقي شر الفتن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ” صحيح -رواه أحمد ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم المثل في الوفاء فوفاؤه، وصلته لأرحامه في أسمى معانيها، وحُقَّ له ذلك وهو سيد الأوفياء. وقد امتدح الله تعالى بالوفاء عباده المؤمنين الذين صدقوا عهودهم مع الله تعالى، ومع الناس، ورعوا الأمانات المختلفة الدينية والدنيوية، وثبتوا على هذه الحال حتى لقوا ربهم، قال سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ المؤمنون: 1-8؛ وقال سبحانه: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ الأحزاب: 23 وجعل الإسلامُ نقيضَ هذه الصفة من صفات المنافقين؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» رواه البخاري ومسلم. وهناك نصوص شرعية كثيرة تأمر بالوفاء، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً﴾ الإسراء: 34؛ وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ النحل: 91]. وجاء الأمر بالوفاء في جميع الأمور: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ البقرة: 40؛ وقال سبحانه: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ الأنعام: 152. والقرآن الكريم يدعو الناس إلى الوفاء بالعهود والعقود حتى مع الأعداء والله تعالى أمر المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ المائدة: 1. إن الوفاء بالعهد صفةٌ لأولياء الله، قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ الرعد: 19، 20. والإسلام ينهى عن الخيانة، حتى مَنْ يُخشى خيانته من الأعداء، فلا ينبغي خيانتهم؛ لأن الخيانة خُلُقٌ ذميم، واللهُ تعالى لا يُحبُّ الخائنين، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ الأنفال: 58؛ فإذا خاف النبي صلى الله عليه وسلم أو أتباعه – من قوم عاهدوهم – خيانةً بإمارة تلوح أو تُرشد إلى ذلك، فلا ينبغي للمسلم أن يخون بناءً على ما ظهر من إقدام العدو على الخيانة، ولكن عليه أنْ يُبيِّن لهم أنَّ العهد الذي بيننا وبينكم قد أُلغي. والوفاء بالعهد خُلُق نبوي كريم، جعله الله تعالى صفةً لأنبيائه، فقال الله تعالى في إبراهيم – عليه السلام: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ الأنفال: 58، وذلك حين ابتلاه ربُّه بكلمات وأوامِرَ ونواهٍ؛ فأتمَّهن، وقام بهنَّ، وحين قدَّم ولده إسماعيل قُرباناً تنفيذاً لأمر الله، وحين صبر على النار ابتغاء مرضاة الله. وقال الله تعالى -في إسماعيل -عليه السلام: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا﴾ مريم: 54. تأمَّل كيف قدَّم صِدقَ الوعد على الرسالة والنبوة في مقام الثناء على إسماعيل عليه السلام.. وأمَّا سيد الأوفياء محمد صلى الله عليه وسلم، فسيرته مليئة بذلك مع أصحابه وأعدائه، وأهله، وقِصَّةُ وفائه مع خديجة -رضي الله عنها- مشهورة، فالوفاء بالعهود والمواثيق من صفات أهل الإيمان ومن أجلِّ مكارم الأخلاق، سواء كانت تلك العهود بين الخالق والمخلوق أم بين المخلوق والمخلوق. فقد أمر الله تعالى بالوفاء بعهده فقال تعالى ﴿وبعهد الله أوفوا﴾ قال ابن جرير: “وإيفاء ذلك: أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد الله”. يجب الوفاء بالعهود التي تكون بين العباد، وهي على النحو الآتي: التزام المسلم بالعهد الذي بينه وبين غيره من العباد، والالتزام يكون في العهود الشفهيّة أو المكتوبة. عدم نقض العهود والأيمان. الالتزام بعقود الزواج، وهي أحق العهود التي يجب الالتزام، وفي الحديث النبوي الشريف يقول: (واللهِ لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ قيل: من يا رسولَ اللهِ ؟ قال: الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُه؟ قال: شرُّه. الوفاء بحقوق المسلمين العامة. وأمر جل وعلا بالوفاء بالعهود التي تكون بين الناس فقال تعالى ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ أي إذا أعطيتم أحداً عهداً فأوفوا به فإن الله تعالى سائلكم عنه ماذا فعلتم فيه فمن وفّى فله الأجر والثواب. والوفاء بالعهود من صفات العقلاء أولي الألباب قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الميثاق…﴾. إن الغدر بالعهود ونقض المواثيق ليس من صفات المؤمنين إنما هو من صفات المنافقين ومن هانت عليهم أنفسهم والعياذ بالله قال صلى الله عليه وسلم “لا إيمانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عهْدَ لَهُ” رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم “أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كانَتْ فيه خَصْلَةُ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدعَها: إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر” متفق عليه.. ولما كان دينُنا دينَ الوفاء بالعهد فقد أُمِرنا بالوفاء بالعهود حتى مع أعدائنا من الكفار فقال صلى الله عليه وسلم «أيُّما رجلٍ أمَّنَ رجلاً على دَمِه ثُمَّ قَتَلَه؛ فأنا مِنَ القاتِلِ بَريءٌ، وإنْ كانَ المقْتولُ كافِراً» رواه ابن ماجه وابن حبان وهذا لفظه. بل إن الله تعالى يوم القيامة يحاج عن المغدور ضد الغادر قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ” رواه البخاري، وما ظنك بحال من يكون الله خصمَه يوم القيامة والعياذ بالله. فتعاهدوا العهود التي عليكم فحافظوا عليها وتوبوا مما فرطتم فيه منها قبل أن يفوت التدارك. فالواجبات الشرعية هي عهود بينكم وبين الله أن تفعلوها كالتوحيد والصلاة والزكاة وبر الوالدين وصلة الرحم وطاعة أولي الأمر في المعروف.والمحافظة على أمانة الشهداء وأمانة الوطن والمحرمات الشرعية هي عهود بينكم وبين الله أن تجتنبوها كالشرك والبدع والفواحش والظلم والعدوان والعقود التي بينكم وبين الجهة التي تعملون لها حكومية كانت أو خاصة هي عهود عليكم الوفاء بها. بقلم الأستاذ قسول جلول باحث وامام لمسجد القدس حيدرة