من أسمى وأرقى الأخلاق الإنسان، والوفاء عكس الغدر والخيانة، يحمل معنى الصدق والإخلاص في المعاملة، ويُعرّف اصطلاحا بإتمام العهد وتنفيذ الالتزام. والوفاء من مكارم الأخلاق، لذلك جعل الله عز وجل من صفاته الوفاء فهو الوفيّ، كما أنه لا تستقيم الحياة من غير خلق الوفاء، ولكن الملاحظ في دنيا الناس من نقض العهود، وضياع الحقوق، ما لا يمت بصلة إلى قيم الدين الحنيف. قيمة الوفاء في الإسلام : الوفاء صفة من صفات الله جَل جلاله، إذ قال الله تعالى: ﴿وَمَنَ اَوْفَىا بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾[سورة التوبة]. وقال عزّ وجل في آية أخرى: ﴿...وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...(185)﴾[سورة آل عمران]، وقال أيضا: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(6)﴾[سورة الروم]. الوفاء من صفة النبيين والمرسلين: النبي صَلى الله عليه وسلم وفيُّ لله ولدينه، ولعهوده، تلك التي بينه وبين اليهود والمشركين، قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ اَلِيمٍ(3) اِلاَّ الذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمُ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمُ إِلَىا مُدَّتِهِمُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(4)﴾ [سورة التوبة]. وقال الله تعالى في حق سيدنا إبراهيم: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ(37)﴾[سورة النجم]. الوفاء من صفات المؤمنين: قال تعالى: ﴿مِّنَ الْمُومِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىا نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّنْ يَّنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23)﴾[سورة الأحزاب]. وقال تعالى في أوصاف أولي الألباب:﴿الذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ(20)﴾[سورة الرعد]. ومن أفعال البر الوفاء، كما قال تعالى: ﴿...وَلَكِنِ الْبِرُّ مَنَ -امَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَالْمَلآَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيئِينَ...وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمُ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(177)﴾[سورة البقرة]. وأمر الله عزّ وجل المؤمنين بالوفاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...(1)﴾[سورة المائدة]. أنواع العهود : الوفاء لله: وذلك بالإيمان به قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُومِنم بِاللَّهِ فَقَدِ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىا لاَ اَنفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)﴾ [سورة البقرة]. وكذلك العمل بما شرّعه. والدعوة إلى دينه لقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىا سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125)﴾[سورة النحل]. ويكون الوفاء أيضا بتحقيق النذر. كما أن الثبات على المنهج، صورة من صور الوفاء الله تعالى ولدينه. الوفاء للرسول صلَى الله عليه وسلم: وذلك بالاهتداء بهديه والإقتداء بأخلاقه وسنته، وحفظ ميراثه. الوفاء للوطن: بحب الوطن وصدق الانتماء إليه والحفاظ على الهوية الوطنية. وخدمة الوطن تكون أيضا بالعمل على تنميته وتطويره. الوفاء للناس: ويكون مثلا بالوفاء بالقروض بين المتعاملين، والالتزام بالاتفاقات في جميع المجالات سواء في مجال الإيجار وفي مجال الزواج والتجارة. ومن صور الوفاء بين الناس شكرهم ومكافئتهم، قال صَلى الله عليه وسلم: (ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه) [رواه أحمد]، وجاء أيضا في حديث رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) [رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي]. ثمرات الوفاء : غرس معاني الرجولة، لقوله تعالى: ﴿مِّنَ الْمُومِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىا نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّنْ يَّنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23)﴾[سورة الأحزاب].، غرس الثقة بين الناس ، دوام الصلة بين الناس،انتشار الخير و المعروف و دوام النعم.