الفراق دائما مر.. لا نحبه.... فقط هي حالة واحدة يصبح فيها الفراق أمنية العمر.. والانفصال حلم يراودنا في نومنا ويقظتنا.. نعم يحدث ذلك فقط عندما يتعلق الأمر بقصيدة شعر.. أو أي عمل إبداعي.. البارحة وصلتني عبر البريد الالكتروني مجموعة من القصائد لمحمد الأمين السعيدي.. من المبدعين المتميزين الواقعين تحت سطوة المكان.. من هناك.. من ؟؟؟؟ لف قصائده بعد أن لازمها سنوات وألف عبقها وأنسها وتعود ضجيجها وصمتها.. في قرطاس من الحنين والرعشة.. ومسح على أبياتها بنظرات مترقبة متسائلة.. وتعلق قلبه بها وهو يراها تطير من بين يديه لتلتقطها شاشة الكمبيوتر وترسمها في لمحة أمام ناظري.. هاتفني وسألني بلهفة أم تريد التأكد من وصول فلذة حياتها سالما معافى.. هل تلقيت قصائدي؟ هي أمامي رددت بكامل كلماتها وعافيتها ولأني من أهل الدار كما يقال سارعت لإجابته عن سؤال لم يسأله لفرط لهفته في أن يسأله.. ولكن أحيانا في عز السؤال يتعطل السؤال، وسارعت أطمئن نبرته الخجلة .. قصائدك مبهرة يا محمد الأمين ..فعلا لقد صعقتني بتلك الروح الشعرية العالية وتلك الرهافة المتفردة .. أبديت له إعجابي الشديد بها عن صدق وإحساس..أسعد اللحظات بالنسبة لمبدع تلك التي يرى فيها نصوصه تهجره وتتخلى عنه لتسافر هناك وتسكن عند هذا وذاك عند الآخر والأخرى.. وكم تعظم فرحته حين يراها أو يسمع عنها تتنقل من هذا إلى ذاك.. ليتها لا تتوقف ليتها تحوم على الكل.. ليتها تغري الجميع وتفتن كل من رآها.. لا شيء يسعد المبدع ولا شيء يشعره بجدوى وجوده على سطح هذه الأرض أكثر من أن يعرف أن نصوصه أخذت طريقها وما عادت تبغي الرجوع إليه .. ولا شيء يجعله يحلق في فضاءات الفرح والخيلاء مثل تأكده من أن أعماله قررت قطع علاقاتها به وذهبت إلى آخر.. إنها أجمل وأصدق خيانة يتوق إليها الشاعر أو الروائي... .. كم يفرح.. كم يطير فرحا عندما يرى نصوصه تخالط عوالم الناس.. تدخل بيوت نومهم وتستلقي على حميمياتهم.. يأخذ هذا بين ذراعيه وتوسد وسادة هذا.. وتندس في أحلام هذا...