أوصى الناس بالحياة .. نصحهم بالعشق حتى آخر رمق .. تعامل مع موته القادم بروح مبدعة وأمل فياض فجاءت وصيته إلى قرائه ومحبيه مفعمة بتلك السحرية، وذاك البهاء الذي طالما نضحت بها روائعه الخالدة.. في ظلام السقم هام بالضياء وكتب بالضياء.. خاطب العالم والناس كما لم يخاطبهما أحد.. تلهى عن مفردات الوداع .. وشطب تفاصيل الفراق وأخذ يخط الكلمات بصفاء وقدسية طفل لا بفقه يعد معنى الغياب ولا يريد أن يفقهه .. حذر مخاطبيه من غفلة النوم .. وقال لهم معنى المغامرة ومعنى الكفاح.. حدث البشر عما لقنوه إياه: تعلمت منكم أيها البشر .. كتبت بكم أيها البشر كتبت لكم أيها البشر .. لا تعنيه قمة الجبل بقدر ما يمتعه تسلقه وعد الطفل بمنحه أجنحة و''اتركه يتعلم الطيران وحده" فسر لهم ماذا يعني أن يمسك الوليد بأصبع أبيه لأول مرة ماذا يعني ألا يسقط الإنسان بين مخالب الشيخوخة ماذا يعني أن يفقد الإنسان القدرة على الحب ماذا يعني أن يقول الإنسان ما يشعر به ويفعل ما يفكر فيه ماذا يعني أن يغلب رقدة المرض ويحيا بعنفوان الكلمات .. رسالة ماركيز لأصدقائه ومحبيه أربكت بإشعاعها هجوم اللحظات الأخيرة عليه.. جعلت النهاية في حيرة من أمرها .. وجعلت محبيه في حيرة من قوة حياة رجل قرر منذ ''مائة عام من العزلة'' أن يحيا ألف عام من الحكي والحب.