أصبح تسول المسنات في الشوارع الرئيسية والأماكن العمومية ديكورا يلازم المدن الكبرى خاصة العاصمة، وبالرغم من أن المجتمع الجزائري مجتمع معروف بروح التضامن إلا أن انتشار هذه الظاهرة أصبح يثير استياء المواطنين ويسبب الكثير من الإحراج للبعض الآخر من الذين لا يرغبون في منع الخير عن الناس. تروي العديد من المتسولات التي رمت بهن الأقدار إلى الشارع في غالب الأحيان نفس الأسباب، فالزوج المتوفى والأبناء العاطلون عن العمل هي أسباب تتكرر في كل الحالات التي حاولنا الحديث إليها، إلا أن هناك حالات يمكن وصفها بالخاصة. ففاطمة امرأة في الستين من عمرها، تقول إن ظروفها المعيشية فرضت عليها التسول، حيث إن الأبناء ليسوا من خريجي الجامعات وبالتالي لم يجدوا أي وظيفة ولو لسد حاجياتهم الخاصة. هي واحدة من الحالات العديدة التي تعاني من نفس الأسباب التي أجبرتها على الخروج للشارع والتعرض للمشاكل، فحتى المسنات لا يعفين من التحرشات خاصة من اللصوص، حيث تقول إحداهن ''طول النهار وحنا نعسوا في نفوسنا ماشي اللي نصوروه لولادنا يدوه ولاد لحرام..''. خالتي حسنة، متسولة في نهاية عقدها السادس، تعرضت للسرقة من قبل أحد الأشخاص حيث قالت إنها بقيت طول النهار وهي تبحث عن من يساعدها بالقليل من المال لتعود به لأبنائها، ليأخذه منها أحد السارقين بعد أن رمى بها على الأرض، ومع هذا فهي لازالت تخرج للتسول وتبحث عن الرزق لأولادها. وإن كان هناك من المسنات من حملهن الفقر والجوع إلى تسول دراهم في الشارع، فهناك من ''يمثّل'' العوز ..أبناؤهن عمال لا حاجة لهن بالتسول و''لكن الكل يفعل ذلك ولما لا أنا''... ردت سيدة احترفت التسول ولم تنكر حالها الاجتماعية، الأبناء يعملون والبنات كذلك والزوج متقاعد والفيلا تبنى في مسقط الرأس. ليست بحاجة لأدنى صدقة من الناس، ولكن الغريب في الأمر هو رؤية أبنائها في انتظارها لحمل الأكياس عنها بعد انتهاء فترة ''العمل''. وفي هذا السياق يقول الأستاذ توفيق قطوش، أخصائي في علم الاجتماع، إن عدد النساء المسنات في الجزائر العاصمة، مرتفع بالمقارنة مع النساء الشابات وهذا يكمن في تطور وضعية المرأة. كما أن المجتمع لا يتفهم حاليا وضع المرأة المسنة مقارنة بالشابة، والدليل على ذلك اهتمام السلطات العليا بالشباب والشابات فنجد إغفالا للمرأة المسنة التي غالبا ما يقذفها المجتمع وكذا عائلتها التي قد لا تقدر كل تضحياتها في ظل المشاكل والتحولات الكبرى، فتجد المرأة المسنة نفسها في محاولة نضال مزدوج يدفع بها للقيام بأفعال تثير الدهشة أو الاهتمام. وبما أن المرأة المسنّة تحتاج إلى مدخول يحقق نوعا من الحرية الاقتصادية وبالتالي الحرية الشخصية والسلطات الرسمية لا تعترف، فإنها تجد نفسها غير قادرة على تأدية واجبها العاطفي كمنح النقود لابنها أو حفيدها....، لذا فإن توجهها إلى التسول هو نوع من الثورة على الوضع الاجتماعي، والنكران والإجحاف الذي تلاقيه من طرف أبنائها والمجتمع بصفة عامة.