تمضي اليوم أربع سنوات تحديدا على دخول اتفاق الشراكة الموقع بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في الفاتح سبتمبر 2005 ببروكسل حيز التنفيذ بين الجانبين، غير أن التقييمات التي أجرتها وزارة التجارة وكذا الشؤون الخارجية أثبتت أن الجوهر الحقيقي المتعلق بدعم الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر، وتنقل الأشخاص ومكافحة الإرهاب في بنود اتفاق التعاون لم يتجسد، حيث اقتصر ذلك على المجال التجاري وسمح بإغراق السوق الوطني بمنتوجات استهلاكية قادمة من البلدان الأوربية، وبمعنى أصح مجرد سوق لفائض السلع والخدمات الأوروبية. فيما بقيت بلادنا أهم ممونها النفط والغاز والمواد الأولية الخام فقط، حتى أن تقرير مجموعة ''أكسفورد بيزنيس'' البريطانية اعتبر الجزائر البديل المستقبلي بالنسبة لأوروبا في شؤون الطاقة. أوردت المعطيات الأولية لتقييم مسار 3 سنوات من اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي مؤشرات سلبية لحالة شبيهة بالاستنزاف للاقتصاد الوطني، الذي لم يجن سوى تسجيل ارتفاع غير مسبوق في قيمة الواردات التي تجاوزت 20 مليار دولار، مقابل صادرات ب1 مليار دولار وفق معادلة الجزائر تستورد 20 دولاراً لكل دولار من الصادرات نحو بلدان الاتحاد الأوروبي. وحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن إدارة الجمارك الجزائرية فإن الميزان التجاري بين الطرفين اتجه نحو العجز بالنسبة للجزائر بنحو 8ر1 مليار دولار، فضلا عن تشديد المقاييس والشروط المفروضة على المنتوج المصدر إلى الدول الأوروبية. ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن الاتحاد الأوروبي كان سباقا لخرق بنود اتفاق الشراكة وفي مقدمتها تواضع الاستثمارات الأوروبية المباشرة، وهي التهمة التي ترد عليها أوروبا بغياب الانسجام والرؤية الواضحة بالنسبة للإصلاحات الاقتصادية. غير أنها تمكنت من تعزيز مكانتهم وتحقيق المكاسب في السوق الجزائرية والاستفادة من التسهيلات والتفضيلات التي يقدمها اتفاق الشراكة، من دون تكليف أنفسهم عناء المخاطرة بإقامة استثمارات حقيقية في الجزائر. وركزت أغلب الشركات الأوروبية على اكتساح ميدان التجارة والخدمات، وكذا البنوك لجني الأرباح الطائلة من وراء تقديم القروض الاستهلاكية، ورفضه منح تمويلات لاقتناء التجهيزات والمعدات وتجسيد المشاريع الاقتصادية المهمة للبلاد. لذا قررت الجزائر الرد على ذلك عن طريق فرض تدابير جديدة تضمنها قانون المالية التكميلي ل ,2009 وذلك بإلزام الشركة الأجنبية إشراك متعاملين محليين ب 30 بالمائة من رأس مال شركات الاستيراد تطبق بأثر رجعي، وكذا الاستحواذ على الأغلبية ب 51 بالمائة من رأسمال المشاريع الاستثمارية التي تنجز بالشراكة مع الحكومة الجزائرية، بالإضافة إلى تعليق القروض الاستهلاكية بأمر رئاسي لتقليل من فاتورة استيراد السيارات، حيث كانت سوق الجزائر المنقذ لصناعة السيارات الأوروبية التي كانت قاب قوس أو أدنى من الإفلاس بفعل الركود العالمي وامتناع عدد من كبار المصنعين الأوروبيين على إقامة استثمارات في صناعة وتركيب السيارات في الجزائر، وتفضيل وجهات أخرى كما فعل ''مجمع رونو'' بالمغرب. وجددت الحكومة عزمها على إصدار مزيد من القوانين والإجراءات الحمائية لتحصين الاقتصاد الوطني من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي بدأت تنفرج ملامحها وذلك بإجراء تعديلات جمة على قانون الاستثمار والتنازل عن العقار الصناعي، لأن التجربة التي خاضتها الجزائر في مثل هذا القطاع المهم من خلال قانون 2001 والذي تم تعديله عام 2006 وأثبت عدم فعاليته الاقتصادية. وقد أثرت هذا القرارات حفيظة المحافظة الأوروبية للتجارة الخارجية كاترين اشتون التي عبرت على عن رفضها الشديد لتلك القرارات، وجهت حينها مراسلة رسمية للحكومة للمطالبة بإلغاء الإجراءات الأخيرة، دون الاعتراف بأنهم نالوا الكثير مقابل القليل. وفي ذات السياق، قررت الجزائر تأجيل التفاوض بشأن ملف الخدمات مع الاتحاد الأوروبي إلى ما بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، رغم وجود بنود في اتفاق الشراكة تنص على الشروع في التفاوض بخصوص الخدمات بداية من العام الرابع من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، أي في سبتمبر من العام .2010