بدأ التراث الشفهي واللامادي الذي تزخر به الجزائر يعرف طريقه إلى التوثيق والأرشفة بعد سنوات من الإهمال الذي تسبب في اندثار جزء هام منه، بحيث تسعى ولاية بسكرة إلى تصنيف مأثورة حيزية ضمن التراث الوطني غير المادي، في حين تعمل ولاية بشار على إنشاء مكتبة صوتية لأرشفة وتسجيل التراث الغنائي والشعري للمنطقة. يسعى قطاع الثقافة بولاية بسكرة حاليا إلى تصنيف مأثورة حيزية التي عاشت في القرن ال19 الميلادي ضمن التراث غير المادي الوطني، هذا ما أكده مديرها الذي أشار إلى أن الجهود منصبة حول إعداد ملف تفصيلي يتضمن جمع وتوثيق مختلف المعلومات حول حيزية (1855 / 1878) بغية إدماج هذه الشخصية في دائرة التراث غير المادي الوطني. وتعتبر حيزية -مثلما هو متداول في أدبيات التراث الشعبي المحلي- إحدى جميلات الريف البسكري بحيث كانت على قدر كبير من الجمال والحيوية ونقاوة السريرة، ولدت وترعرت في بيئة تقليدية بمنطقة سيدي خالد بإقليم الزيبان الغربية. وعلى غرار قاطني المنطقة فإن عائلة حيزية دأبت على المغادرة بحلول موسم الحرارة نحو الهضاب العليا الشرقية والعودة إلى الواحة بمجرد اقتراب فصل البرودة. ويفترض أن علاقة حب عذري نشأت بين هذه المرأة وقريب لها يدعى سعيد كلل بالزواج لكن الموت خطفها بعد فترة وجيزة من ذلك فأنغمس زوجها في حزن عميق. ولم يتوان الشاعر الشعبي رابح بن قيطون في تخليد قصة حيزية التي فارقت الحياة في ريعان شبابها وذلك في قصيدة شعرية نالت شهرة كبيرة، فيما أنجزت أعمال سمعية بصرية متعددة حول هذه المرأة بما في ذلك أداء القصيدة من طرف فنانين جزائريين كبار من أمثال رابح درياسة وعبد الحميد عبابسة. وحسب ذات المسؤول، فإن ضبط بنك معلومات حول شخصية حيزية يعد بمثابة خطوة جوهرية في عملية التصنيف التي يرتقب أن تتم قبل نهاية السنة الجارية. وفي هذا السياق أيضا، تسعى دار الثقافة لولاية بشار إلى إنشاء مكتبة للأرشيف الصوتي بهدف جمع وتسجيل التراث الغنائي والشعري للمنطقة، وتندرج هذه العملية في إطار الجهود الرامية إلى المحافظة على التراث الثقافي قصد إثراء المعارف والتوثيق والأرشيف السمعي لمختلف أشكال التعبير الفني والشعبي منه والتقليدي لمنطقة بشار، كما أوضح ذات المصدر. ومن المعروف أن منطقة بشار تزخر على ما يقرب من 60 نوعا من أشكال التعبير الفني والعاطفي وفنون الرقص. وبالإضافة إلى تسجيل هذا التراث من أشكال التعبير الفني على دعائم رقمية بغرض بثها ووضعها أيضا في متناول الباحثين وكافة المهتمين بهذا الصنف من التراث اللامادي للمنطقة، فإنه يراهن على مكتبة أرشيف الصوت بخصوص جمع الوثائق والكتب التي تعني بمختلف أشكال التعبير الفني والشفوي الذي تزخر به الولاية. وباعتبار أنها فضاء للإشعاع الثقافي بالولاية فان دار الثقافة بالولاية تشرف أيضا على تنظيم العديد من التظاهرات الثقافية والفنية السنوية الكبرى وتفتح أيضا أبوابها أمام فناني المنطقة من خلال ورشاتها في الرسم والموسيقى والمسرح وفنون الرقص الشعبي والعصري وذلك بغرض التكفل بشكل أفضل بالفئات المبدعة الناشئة. وبالإضافة إلى أنشطتها المتنوعة فإن دار الثقافة ببشار تنظم ومنذ أربعة سنوات تظاهرة الجائزة الوطنية للعود التي تجمع سنويا أعدادا من هواة آلة العود وعشاق هذه الآلة الموسيقية الساحرة من مختلف أرجاء الوطن. ويطمح القائمون على هذه التظاهرة الفنية الوطنية التي تشهد إقبالا واسعا من قبل الفنانين الإرتقاء بها إلى درجة مهرجان وطني.