المسلمون في أوروبا.. استحقاقات واجبة لم تجد شركة ''إيزي جيت'' البريطانية الاقتصادية، والتي تعد من أبرز شركات النقل الجوي الأوروبي، بدا من إعدام 300 ألف نسخة من مجلتها الشهرية التي صدرت مؤخرا بعدما اتهمت بنشر صورة بها نوع من ''الاستخفاف'' بالهولوكوست، ظهرت فيها عارضات أزياء يسندن ظهورهن إلى حجارة النصب التذكاري لقتلى اليهود في أوروبا إبان العهد النازي ومحرقته ضدهم، حسبما يرمز النصب. ''اليهود'' اعتبروا الصورة مسيئة لرمز من رموزهم التاريخية، واستخفافا بالذاكرة اليهودية، فبدءوا حملة ضد الشركة أجبرتها على سحب نسخ المجلة وتحمل الخسارة المترتبة على ذلك. هذا الحدث بتلك التفاصيل يستدعي سلسلة حملات الاستخفاف بالهوية الإسلامية في أوروبا، والتي تتبادل الحكومات وبعض منظمات المجتمع المدني والأحزاب اليمينية الأدوار فيها بشكل مقلق. هذه الحملات كان آخرها أزمة مآذن سويسرا، والتي تثير عدة إشكاليات؛ منها: ما الحجم الحقيقي لقوة الأقليات المسلمة في الغرب وتأثيرها في حياة الشعوب هناك؟ وما أبرز مشاكلها الداخلية ومدى تأثيرها على أوضاع تلك الأقليات داخل الدولة؟ ولماذا فشل المسلمون في الغرب في تكوين تحالفات قوية (لوبي) تمكنهم من صد المؤامرات المستمرة ضدهم، علاوة على التعامل مع الوعي الغربي وتهيئته لتقبل فكرة التعايش مع الإسلام والمسلمين؟ طريق الحل البيئة الأوروبية بيئة في شكلها العام ديمقراطية مؤسساتية إن صح التعبير، فالجهد الفردي فيها غير مثمر، ولذا يتوجب على الأقليات المسلمة فهم طبيعة البيئة المحيطة، والحيلولة دون تكرار مثل تلك الحملات عن طريق: 1 الظهور بكيان موحد بعيدا عن التشرذمات العلمية والتنظيمية، وفي النهاية نحن بشر وهم بشر، فما الذي يمنعنا من فعل ما فعلوا بشكل منظم ومنهجي وهادئ وغير متشنج! 2 تحويل القرار إلى مادة لتوعية المسلمين في سويسرا وفي الغرب عامة وفي كل مكان بأن عليهم مغادرة مواقع التشرذم والعزلة والانكماش، والانخراط في مشاغل مجتمعاتهم وهمومها. 3 البحث -بحسب الغنوشي- عن حلفاء ومتحدثين جدد أكفاء لتغيير الصور النمطية السلبية المرتسمة عن الإسلام، من حيث إنه دين حرب وعداوة متأصلة للحريات وللنساء وللفنون، صورة تصادم من كل وجه أنه رحمة للعالمين. 4 تعميق صورة اندماج المسلم في البيئة الأوروبية بطرق مختلفة، حتى ترتسم صورة إيجابية لدى الأوروبيين عن وجود المسلمين بينهم، وذلك عن طريق: أ- إنتاج نماذج إسلامية بنكهة أوروبية، وفي حالة المآذن تكون النكهة سويسرية -حسب تعبير الفقيه طه جابر العلواني- وهذا من شأنه كما يقرر العلواني القضاء على أي إحساس لدى المواطن السويسري بأن هناك ثقافة مغايرة لثقافته تسعى للسيطرة عليه. وكمثل لهذا الطرح اقترح العلواني أن يقوم المهندسون المسلمون في سويسرا بتصميم مآذن لمساجد المسلمين تجمع بين الخلفية الإسلامية للمآذن والأبعاد الحضارية والقيم التي يتبناها المجتمع السويسري. خلاصة القول هنا تقودنا إلى حقيقة حتمية، وهي أن مواجهة هذه الحملات لن تتأتى إلا باستخدام أساليبها، وحلبة الصراع تظل هي الشعوب والرأي العام، غير أن التحدي الأكبر يظل في كيفية ممارسة ''المأسسة'' بعيدا عن أخطبوط ''الأدلجة''، بمعنى ألا تحول الأيدلوجيات المختلفة الموجودة داخل الأقليات المسلمة في الغرب دون التحرك داخل البيئة الغربية بشكل مؤسسي منظم.