لم نفهم بعد سياسة فرنسا في تسيير ملفات المهاجرين والمسلمين المقيمين بإقليمها وحقيقة ملف الهوية الوطنية والنقاب وأحداث أخرى متراكمة، أهمها تلك المتعلقة بعلاقة فرنسابالجزائر، والتاريخ الأسود والدامي المبني على دماء ملايين الشهداء .. تراها تقصف أحيانا بالثقيل، لتعود من جديد فتحن وتلين .. فرضت قانون حظر النقاب، وضخمت الوضع أثناءها ونادت بمعاقبة المنقبات من سائقات السيارات وممن تتجولن في الحدائق والأماكن العمومية، ثم تآمرت مع سويسرا والدانمارك لتوحد قانون حظر بناء المساجد، ولن تتصوروا أنها راحت بالأمس فقط تدشن مسجدا بإحدى الضواحي الباريسية حيث يعيش حوالي 28 ألف مسلم، بحضور رئيس وزراءها فرانسوا فيون في أول مبادرة لرئيس حكومة فرنسا.. جاء تزامنا وانطلاق جاليتنا هناك في بناء مسجد مرسيليا الأضخم الذي منحته الحكومة الجزائرية دعما لا يقارن، سيكون منبرا للمسلمين على اختلاف أوطانهم، واتضح أن خطوة فيون لا تتعدى كونها '' مداهنة ومحاولة تبييض صورة. نفس فرنسا هته التي تبني المساجد وتدشنها لجاليتها من المسلمين هناك، هي من قالت أن حظر النقاب في الأماكن العمومية يعني الوقوف لمجابهة الإسلام المتطرف، الإسلام الذي انحرف عن الرسالة الدينية في اعتقادهم .. مبادرة مثل هذه، تدين دون أدنى شك آخر مظاهر تنامي العداء للإسلام، خاصة وأن ''الائتلاف ضد الإسلاموفوبيا'' كان قد تحدث سابقا خلال ندوة صحفية بباريس عن ارتفاع عدد الأعمال المناهضة للإسلام بنسبة 20 بالمائة مقارنة بعام ,2007 وأوضح التنظيم أن نسبة كبيرة من الاعتداءات سجلت في الضواحي الباريسية، وأن 67 بالمائة من الاعتداءات التي مست الأشخاص ارتكبت في الأحياء المحيطة للعاصمة والتي مهما قيل عنها لا تضاهي الواقع وحقيقة ما يحدث فعلا من كره وشماتة للإسلاميين والإسلام، فصرنا نرى علانية أعمال تدنيس لقبور المسلمين هجمات معادية للإسلام كلها تطرف، لنتساءل أين هي الديموقراطية والحرية يا ترى؟؟؟، ونحن نطلع بالأمس فقط على خبر يؤكد تعرض 18 قبرا في جناح مدفن للمسلمين في ستراسبورج شرق فرنسا للتدنيس ليلة هذا الثلاثاء أثار احتجاجات حادة لدى البلدية والممثلين الدينيين. الحقيقة أن تدشين مسجد بباريس لا يعني انتهاء الضغط الممارس من قبل الحكومة على مختلف أشكال التدين، خصوصا وأن فيون قالها صراحة: ''إسلام فرنسا اليوم هو إسلام في ظل احترام مبادئ الجمهورية.. فيون الذي دشن مسجد ''الإحسان'' أصر على تمرير رسالة لجميع المواطنين تدعو إلى ضرورة الوقوف ضد ''هذا الانحراف في الرسالة الدينية''، فأين هي فرنسا الحرية، فرنسا الديمقراطية، التي تطلق الشعارات الرنانة خلفها، دون أن تطبقها على أرض الواقع .. حتى اعتقدنا أنها تخاف علينا أكثر من خوفنا على أنفسنا، أو كما يقول المثل: '' واحد داير اللحية، ولاخر حاير بيهاس. فأي انحراف تراه فرنسا فيمن تلبس نقابا على وجهها، وأي انحراف تراه فرنسا فيمن تسوق سيارتها بالحجاب، أي انحراف ديني تتحدث عنه فرنسا في خضم كل هذا، لا ننكر أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية هي الأخرى تشكو من التطرف الديني، وما حدث بالأمس فقط مع وزير الشؤون الدينية أبو عبد الله غلام الله لخير دليل، عندما أبت مجموعة من الخطباء والأئمة الوقوف للنشيد الوطني .. لنتساءل مع أنفسنا عن تفسير لما حدث.. ورأينا أن نطبق الصمت وننتظر ردة فعل الوزارة. غير أن ما تزعم فرنسا الوصول إلى حله، من خلال سن قانون يحظر النقاب وبناء المساجد لا يعد حلا بقدر ما يعد تجني على الحرية الدينية والمعتقد، ومن تم حق لنا وعلينا أن نحارب حملات نشر المسيحية في بلادنا بكل حرية، ودون عقد، وحتى دون أن تتدخل حركات حقوق الإنسان وحرية المعتقدات لاستبيان حقيقة ما يجري في بلادنا، في محاولة يائسة من هذه الأطراف الأجنبية إلى تقييد حريتنا الذاتية حتى داخل أوطاننا.. من تتداعى بالحرية والليونة وتتظاهر بالصدق والمصداقية، وتأخذ لنفسها شعارا ''حرية، أخوة وديموقراطية''، تقف اليوم مواقف غير مشرفة، بدء بعلاقتها المتهورة مع الجزائر، ووصولا إلى عقلية ''الرأس اليابس'' تفاديا للمزيد من الأضرار، فرنسا التي تحاول رأب الصدع وطمس حقيقة 130 عاما من الاستعمار والاستدمار، بانت سياستها مفضوحة، لا حوار ولا اعتدال ولا وسطية'' مثلما تدعي حكومة ساركوزي، بل تطرف وحقد وعداء وتكشير عن الأنياب.. واسألوا جون ماري لوبان إن ضاعت بكم السبل.. أو اسألوا الجنرال بيجار معذب المجاهدين والأحرار، المجرم السفاح، قاتل الصبايا والنساء، الجاني والجلاد الذي مات وأخذ أسراره معه، وهناك في ''دار الحق'' سينال العقاب ويحرم من الثواب، لم نكن ننتظر منه أن يقول لنا حقيقة ما جرى، أو أن يروي لنا خزيه في الدنيا، وما اقترفت يداه بإيعاز من جنرالات فرنسا وقادتها.. اعتبرته فرنسا بطلا قوميا قدم خدمات جليلة لبلاده لدى قيادته لقواتها في العديد من المناطق حول العالم، لكنه سفاح ومجرم قام بتعذيب الآلاف خلال ثورتنا التحريرية المجيدة.. وفي صمت عميق دفنت فرنسا بطلها السفاح دون أن نشفي غلنا منه، لكننا على يقين أن شعارات بلد الحرية والأخوة والديمقراطية قد وصل به الأمر إلى مفترق الطرق، وأن سياسات فرنسا المتعاقبة وقادتها الذي استأنفوا حمل لواء الحكم منذ الجمهورية الخامسة قد انكشفت سريرتهم، بعدما تقطعت بهم السبل، ولم يعد الواحد منهم يكتفي بسياسة ''الكيل بمكيالين'' مدعيا '' الحوار''، بل راح يدوس ويبيد جميع مواثيق الصداقة والاحترام.