ما يميز الأيام الرمضانية هو تلك اللّمة ، أين يجتمع شمل العائلات حول مائدة الإفطار، فيجتهد كل فرد من أفراد العائلة ليكون بين أهله وناسه قبل موعد آذان المغرب لتأدية الصلاة جماعة وتقاسم جو الفرحة مع الأبناء، والتعويض عما فاته من مثل هذه الأوقات في باقي أيام السنة. فرصة الاجتماع مع العائلة حول مائدة العشاء أو الغداء في وقتنا صارت ضربا من ضروب الحظ، وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع، حيث يضطر رب الأسرة إلى العمل بمكان بعيد عن مقر سكناه، فلا يتمكن من الوصول في موعد العشاء نظرا للمسافة الطويلة التي يقطعها، أو في أحيان أخرى لا يتسنى له القدوم إلى المنزل إلا بعد تمضية أسابيع في العمل بولاية أخرى أو حتى بلد آخر. ولا يتأثر كثيرا للأمر ما إذا كان يمكنه الاستغناء عن أكل زوجته أو والدته وتعويضه بالأكل في أحد المطاعم الشعبية أو محلات الأكل الخفيف. لكن شعور الإنسان في رمضان يتغير ويزداد حساسية وحنينا لمنزله وأهله أكثر من أي وقت مضى، لا سيما وأن لرمضان نكهته وبنته الخاصة، فالبعض ممن تسمح له الظروف يأخذ إجازته السنوية خلال هذا الشهر ويكون قد حل المشكل لتمضيته براحة تامة، بيد أن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن، فلا يتمكن الجميع من الظفر بالإجازة وإلا تحول الشهر مناسبة للكسل والخمول، فيستسلم العديد من العمال البعيدين عن أهلهم إلى مشيئة الله ليكتفوا بتقاسم حالتهم مع آخرين تجمع بينهم مائدة الإفطار الجماعي المعدة من قبل المحسنين أو البلديات أو الهلال الأحمر. عمال يعدون إفطارهم لأنفسهم عامر وشقيقه عمار العاملان بالعاصمة منذ 6 سنوات كحارسين ليليين بعد أن قدما من مدينة العلمة هروبا من البطالة لا يتمكنان من الالتحاق بمنزلهما طيلة شهر رمضان خوفا من فقدان الوظيفة التي ما صدقا أن حصلا عليها وتعودا على تعلم أساسيات الطبخ لإعداد إفطارهما البسيط من حساء خضار وسلطة وبطاطا مقلية، لسد رمقهما، لا للتمتع والتلذذ بمذاقه فما يخفف بعدهما عن المنزل هو تواجدهما معا أما أحمد القادم من ولاية المدية وصديقه بلقاسم القادم من ولاية بسكرة، فلا يتمتعان بحظ عامر وعمار، لأنهما يعملان في إحدى ورشات البناء بحي بلكور فلن يزيدهما هذا الشهر سوى مصاريف إضافية، لاضطرار كل منهما بالمساهمة بمبلغ مالي معين كل يوم لإعداد إفطار جماعي مع باقي العمال بالورشة، يوكلون أمر إعداد قائمة الطعام لأكبرهم سنا ويحدد بنفسه قيمة الوجبة التي يحرص على أن تتضمن الأكلات التقليدية التي يشتهيها كل واحد منهم. ولا يقتصر إعداد الفطور الجماعي بمقرات العمل على عمال ورشات البناء، بل من بقصد أحد المستشفيات الجامعية كمستشفى مصطفى باشا الجامعي يلمس جو آخر من التعاون بين الأطباء المتمرسين وبالتحديد في قسم الاستعجالات من تحضير أطباق شهية وموائد مغرية، تبعث على فتح شهية الصائمين لتنسيهم بعدهم عن ذويهم باستمتاعهم رفقة زملائهم الذين يعيشون نفس وضعيتهم، فكما يقول المثل إذا عمت المصيبة خفت، وبالنسبة لعمال القطاعات الأخرى فإنهم يلجأون إلى مطاعم البلديات أو ما يعرف موائد رمضان. موائد إفطار بالمؤسسات العمومية كما هو شأن العمال البسطاء، هناك وظائف حساسة تتطلب من العاملين فيها التواجد بمراكز عملهم إلى آخر دقيقة من قرب موعد الإفطار للسهر على راحة وخدمة المواطنين، كعمال المؤسسة الوطنية للنقل العمومي، بحيث تقوم هذه المؤسسة كل سنة خلال شهر رمضان بإعداد مائدة إفطار لعمالها ولعابري السبيل من المواطنين والعائلات المحرومة، فالعديد من العمال يضحون بلحظة إفطارهم مع عائلاتهم من أجل تأدية واجبهم على أكمل وجه، مثل عمال الحماية المدنية وأعوان الأمن والدرك الوطني الذين يبقون مجندين، تحسبا لأي طارئ وبالأخص مع الإجراءات الأمنية المعززة هذه السنة من طرف وزارة الداخلية والجماعات المحلية، أو بسبب حوادث المرور التي تزداد لحظات قليلة قبيل الإفطار نتيجة الإفراط في السرعة للتمكن من الوصول في الوقت المناسب متناسين أن في العجلة الندامة وفي التأني السلامة.