بحكم الانشغالات الكثيرة التي عرفها مجتمعنا الجزائري من أعمال وتجارة ودراسة ومهام أخرى، جعلت الكثير من العائلات الجزائرية نادرا ما تجتمع حول مائدة الغداء أو العشاء. ولكن حلول الشهر المعظم علينا قد يقدم لنا فرصة للاجتماع حول مائدة الفطور لتلتقي الأسرة من جديد، ولعل من أهم مزايا رمضان هو لم شمل الأسرة من جديد. لقد فرضت علينا الحياة المدنية الكثير من الانشغالات والاهتمامات التي تبعدنا يوما بعد يوم عن دفء الحياة الأسرية وما تحمله من معاني التآلف والأخوة والمحبة. حيث أصبح الأب منشغلا في عمله أو تجارته والابن منشغلا عن والديه في تجارته أو دراسته ونفس الشيء مع باقي أفراد الأسرة، وهذا ما أكده لنا السيد ''علي'' بقوله ''لقد تعودنا في حياتنا العادية أن يكون كل فرد في الأسرة منشغلا بظروفه الخاصة فكأن كل واحد يصبح في عالمه الخاص. فأنا مثلا أبقى منهمكا في البيع إلى غاية ساعات طويلة من الليل فأحيانا أصل منهمكا بحيث لا أتمكن من رؤية أولادي حتى في الصباح، أما زوجتي فهي عاملة خارج البيت حيث لا نلتقي في فترة الغداء ونادرا ما نجلس كلنا مع بعض حول مائدة واحدة وخاصة عندما يكون أبنائي في فترة الاختبارات. أما في شهر رمضان فيتغير الوضع تماما حيث أن أكثر ما يميز هذا الشهر المعظم هو النظام الموحد المتبع عند كل الأسر حيث تجتمع الأسرة الجزائرية في وقت واحد وفي زمن واحد للإفطار وهذه ميزة نفتقدها في سائر الأيام العادية''. الاجتماع حول المائدة يسعد ربات البيوت إضافة إلى ذلك فإن رمضان نموذج حي يعلمنا كيفية تنظيم أوقاتنا بشكل محكم، فمن العادات السيئة التي تفشت داخل أفراد الأسرة الواحدة هو عدم التقائهم حول مائدة العشاء أو الغداء. أما شهر رمضان فيذكرنا ويعلمنا كل سنة بكيفية تربية أنفسنا وعاداتنا بالتقاء أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار. وفي هذا الصدد تحدثنا مع السيدة ''كريمة'' حيث تقول ''في كل سنة أستبشر خيرا باقتراب حلول شهر رمضان لما فيه من مزايا حميدة، ولعل أهمها اجتماع كل أفراد الأسرة في وقت واحد للإفطار. فأنا في سائر الأيام نادرا ما أجلس مع أبنائي الثلاثة وهم شبان حيث يعمل اثنان منهم في التجارة وثالثهما يدرس بالجامعة لا أتمكن من الاجتماع بهم خاصة في فترة العشاء، فبحكم عملهم لا يدخلون أحيانا البيت إلا في ساعات متأخرة من الليل، أما في رمضان فهم ملزمون باحترام أوقات الإفطار لذلك أكون سعيدة في طهي أنواع كثيرة من المأكولات لأزين بها المائدة خاصة تلك التي يحبذونها، فأكون جد سعيدة وأنا أشاهد أسرتي وهي مجتمعة على مائدة واحدة وتمتد حتى في السهرة، حيث نجتمع على بعض المشروبات كالقهوة والشاي والحلويات الرمضانية كقلب اللوز والزلابية فنجلس لنتسامر ونتحدث عن مشاغلنا''. المغتربون يقضون الشهر مع الأهل مما لاحظناه في هذه الأيام مكوث الكثير من المغتربين وبقاءهم في أرض الوطن، حيث تمتد عطلتهم الى غاية انتهاء شهر رمضان المعظم فيستغلون ذلك ويتذكرون الأيام الماضية التي عاشوها مع أقاربهم قبل اغترابهم. ولهذا فقد تحدثنا الى السيدة ''نجاة'' وهي إحدى المغتربات بفرنسا حيث صممت على البقاء مع ابنتها الشابة وذلك بمد عطلتها الى غاية عيد الفطر، حيث تقول ''منذ أعوام طويلة لم انزل الى الوطن لظروف شخصية أما الان فقد شاهدت استقرار الوطن والتغيرات الكثيرة والايجابية التي حدثت، وانا متفائلة جدا لذلك فقد صممت ان ابقى مدة طويلة بين أهلي وأقاربي لاسترجع ذكرياتي معهم وخاصة عندما اشتم ''ريحة رمضان'' فقد شجعني ذلك على البقاء حتى نهايته. كما ان أمي امرأة كبيرة في السن فسأساعدها على حمل أعباء رمضان معها، كما أنني سأحضر بعض الحفلات العائلية التي تعودنا عليها في شهر رمضان كالختان في أواخر شهر رمضان وسأحضر حفل خطوبة في السابع والعشرين كيوم مبارك تحبذ الكثير من الأسر الجزائرية قيام أفراحها فيه''.