لم يشهد ملعب الدراما الرمضانية في أي من السنوات الماضية مثل هذا الكمّ من البطاقات الحمر التي وجهت ضد عدد من أعمال هذا الموسم، ما أدى الى خروجها مبكراً من حلبة السباق والمنافسة. بعض هذه المسلسلات لم تتح له فرصة الظهور على الشاشة بالمرة. فيما اقتلع بعضها الآخر من امام الجمهور بعدما عرض منه عدد من الحلقات. وفي الحالين كان نجوم هذه المسلسلات وصناعها هم الضحية، اما الأسباب فإما قبلية وإما سياسية. ''تلفزيون ابوظبي'' كان آخر الحكام - حتى الآن - في هذا الميدان، بعدما سدد ضربة قاضية أول من أمس الى المسلسل البدوي ''سعدون العواجي'' بسحبه من خريطة برامجه رغم عرضه ثماني حلقات منه، ضارباً عرض الحائط كل ما كان قد قيل حول ''صموده'' أول الأمر امام مطالب بعض القبائل بوقف العرض، كونه يسيء اليها. ومثله فعلت قناة ''ام بي سي'' التي استجابت ل ''تهديدات'' مماثلة، ولكن بسرعة اكبر، إذ غيرت برمجتها قبل يوم من الشهر الفضيل، وأوقفت عرض مسلسل ''فنجان الدم'' البدوي ايضاً، خوفاً من ''فتنة''. وفي سورية لم تكن الحال أفضل. فبعدما عرضت قناة ''الشام'' الخاصة بضع حلقات من مسلسل ''رياح الخماسين'' صدر قرار بإيقاف الحلقات المتبقية لتعرّض المسلسل لقضية المعتقلين السياسيين. وفي سورية أيضاً كان مفاجئاً قرار وزير الإعلام عدم تسويق مسلسل ''اسمهان'' الى الفضائيات او عرضه على الفضائية السورية. لكن المسلسل سوّق على أي حال الى اكثر من فضائية بنجاح، فيما تجنبته الشاشة الرسمية. أما في مصر، فضجت الصحافة بخبر استبعاد الفضائية المصرية مسلسل ''ناصر'' عن برمجتها للشهر الكريم، واعتبرت ان في هذا التوجه ''الرسمي''موقفاً سياسياً ''عدائياً ضد الثورة وقائدها''، لكن صوت ''ناصر'' لم يكتم، إذ سوّقته فضائيات أخرى. واضح من هذه الأمثلة ان المسلسلات الحصرية وحدها هي التي دفعت الثمن غالياً. فبينما لم تسد المنابر في وجه مسلسلات مثل ''اسمهان'' او''ناصر'' كونها بيعت الى اكثر من شاشة وفي اكثر من بلد، ضاعت جهود أبطال المسلسلات الحصرية - مثل ''فنجان الدم'' و''سعدون العواجي'' - هباء امام رقابة مجتمع تضحى اكثر شراسة من الرقابات السياسية... وباتت قادرة على التحكم في برامج التلفزيون ومسلسلاته، أكثر من تحكم الأنظمة، وهو أمر ما كان أحد ليصدق قبل سنوات قليلة انه سيحصل.