الأيام القليلة التي باتت تفصلنا عن انقضاء شهر رمضان لم تشفع لهم لدى إدارة الأحياء الجامعية حتى تلتفت إلى وضعيتهم وتحسن من نوعية وجبة الإفطار المقدمة لهم، حيث تزامن شهر رمضان هذه السنة مع انطلاق الدورة الاستدراكية، ما اضطر العديد من الطلبة الممتحنين فيها إلى التنقل إلى الأحياء الجامعية والتخلي عن مائدة رمضان العائلة حاملين همّ التفكير في النجاح وهمّ الحصول على وجبة إفطار تليق بالصائمين، لم يجدوها إلا خارج أسوار الإقامات. لاستطلاع أوضاع الطلبة القادمين من ولايات الداخل خلال شهر رمضان، تنقلت (الحوار) إلى الإقامة الجامعية للبنات ''جيلالي اليابس'' المتواجدة بكلية العلوم السياسية والإعلام، حاولنا دخولها إلا أننا منعنا من طرف أعوان الحراسة بحجة أننا غرباء وأنه يمنع على أي شخص غريب تخطي أبواب الإقامة، ولدى طلبنا مقابلة المسؤول لإجراء لقاء معه حول نوعية وجبات الإفطار المقدمة للطلبة ونوعية الخدمات قيل لنا إنه غائب ولن يعود إلا في وقت متأخر من النهار، وكأنها طريقة وحجة لمنعنا من تسليط الضوء على وضعية الطلبة بالأحياء الجامعية في رمضان. لا إعداد للشوربة في الغرف ونحن أمام مدخل الإقامة لاحظنا أفواجا من الفتيات يحملن أمتعتهن ويغادرنها، سألنا إحداهن عن وجهتها فقالت ''أرجع إلى أهلي فقد أنهيت الامتحان الاستدراكي الذي قدمت وفارقت من أجله مائدة رمضان التي تعدها والدتي، فلن أنتظر حتى تعلق نتائج الامتحان وستطلعني عليها صديقاتي، فلن أتحمل أكثر من الأسبوع الذي أمضيته هنا لأن نوعية الوجبات التي نحظى بها رديئة، ولا تشبه وجبة إفطار الصائمين إلا بتواجد طبق الشوربة عليها الذي يحمل من الشوربة الاسم فقط بعيدا عن الطعم الحقيقي، أما الطبق الرئيسي فلا يختلف عن ذلك الذي كنا نأكله بذات المطعم باقي أيام السنة، وعلاوة عن ذلك تم منعنا من إعداد إفطارنا بأنفسنا داخل الغرف، فلقد تلقينا أوامر بعدم إدخال قارورات الغاز إلى الغرف أو الأفران الكهربائية تجنبا لوقوع أي حوادث غير متوقعة''. وعن أجواء لحظات الإفطار أوضحت لنا إحدى النزيلات بالإقامة أنها باردة وخالية من البنة الرمضانية، حيث يفتح المطعم الجامعي أبوابه للطالبات بساعات قليلة فقط قبل موعد آذان المغرب ليتم غلقه مباشرة بعد الانتهاء من تناول الإفطار فلا تتمكّن بذلك من إعداد وجبة السحور فهي غير واردة في برنامج المطعم، فتضطر الطالبات إلى التسحر بمواد غذائية لا تتطلب التسخين كالاكتفاء بتناول الجبن والخبز وبعض العصائر أو البسكويت مرفوقا بالقهوة والحليب أو الشاي اللذين يقتنيانهما من عند أحد محلات بيع الأكل السريع المقابل للمعهد الوطني للتجارة (أي أن سي) الذي غير نشاطه خلال هذا الشهر وصار يبيع قلب اللوز والزلابية والمكسرات والقهوة والشاي. لمطاعم الرحمة دفء خاص في نفوس الطلبة ولأنهم مجبرون على المكوث بالاقامات الجامعية وما بيدهم من حل آخر، استسلم العديد من الطلبة ولاسيما الطالبات للأمر الواقع ورضين بوجبة إفطار من نوعية رديئة لأنهن يقمن بمنطقة معزولة نوعا ما وبعيدة عن مطاعم الرحمة التي أقامتها بلدية بن عكنون، فيما لم يصبر البعض منهن على غرار حال الذكور المقيمين بالإقامة الجامعية ''طالب عبد الرحمان'' على هذه الحال فأصررن على تناول وجبة الإفطار بمطاعم الرحمة للبلدية أو تلك التابعة للهلال الأحمر الجزائري.''أمينة'' نموذج لهؤلاء الفتيات لم نكن نتوقع أن نلتقيه أبدا، حيث اكتشفنا بالصدفة أنها تعمل منذ قدومها بحوالي 15 يوما كمتطوعة في أحد مطاعم الرحمة لبلدية بن عكنون، كانت بداية عملها السنة الماضية كما قالت لنا عندما قدمت إلى الإقامة الجامعية في شهر رمضان لإجراء الامتحان الاستدراكي، ولم تتمكن من مواصلة تناول وجبات الإفطار بمطعم الحي الجامعي فقصدت مع إحدى زميلاتها في الغرفة مطعما افتتحته بلدية بن عكنون لإطعام عابري السبيل والفقراء، فكما قالت''قمنا بمزاحمتهم على اللقمة مضطرات، وحتى نقلل من عقدة الذنب التي شعرنا بها قمنا بمساعدة عمال المطعم على تنظيف المكان ورفع الموائد، فرحوا كثيرا بمبادرتنا وطلبوا منا أن نأتي لتناول وجبة إفطارنا يوميا بهذا المطعم، ومنذ ذلك الحين صرنا نعمل كمتطوعات هناك بمجرد الانتهاء من المراجعة أو إجراء الامتحانات نقصد مقر المطعم لنباشر عملنا هناك، ولا نعود إلى الحي الجامعي إلا عند التاسعة بعد الانتهاء من أعمال التنظيف''. لتختتم ''أمينة'' حديثها معنا قائلة ''إن موائد رمضان في الأحياء الجامعية تفتقد كليا نكهته المميزة في وقت توفر فيه مطاعم الرحمة للبلديات والهلال الأحمر الجو العائلي''.