الحكمة: سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار شرح الحكمة: الهمم هي العزائم التي يمتع الله بها في مجال الإقبال على شؤونهم الحياتية، و مهما اشتدت و قويت هذه العزائم فإنها لا تخرق أسوار الأقدار... هذه الحكمة تثير مسألة القضاء و القدر. و لنعرف بدءا القضاء و القدر: فالقضاء هو علم الله الأزلي بكل ما يجري في المستقبل. و القدر هو وقوع الأشياء طبقا لهذا العلم الأزلي. و هذان المعنيان (أي القضاء و القدر) منها ما يقع دون أن يكون للإرادة الإنسانية دخل كالموت والمصائب والأمراض والعاهات، ومنها ما يقع على إثر إرادة وقصد من الإنسان كالدراسة و التجارة والزراعة. وكلا النوعين هما في علم الله، ويخضعان لقضاء الله و قدره، و هذه الحكمة تجيب على من يعكف على سبب من أسباب الرزق في عمل غير مشروع، و يحتج أن الله أقامه في عالم الأسباب وأن عليه السعي للبحث عن الرزق، فتأتي هذه الحكمة لتقول لهذا الشخص أن رزقه كثيرا كان أم قليلا، فإنه مكتوب في علم الله، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات: 85 و في آية أخرى (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ) العنكبوت:,71 وفي الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) و هنا قد يسأل سائل: إن كان الرزق مسطرا في علم الله ففيم السعي وراءه إذن و لماذا نتعامل مع الأسباب؟؟ والجواب لأن الله عز و جل أقامنا في خضم الأسباب وأمرنا بالتعامل معها مع اليقين أن الفاعلية (النتيجة) هي تبع لإرادة الله و حكمه، و كل القوانين والأنظمة الكونية إنما هي من تدبير الله عز و جل، فانظر إلى الآيات التالية ( اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) البقرة: ,552 وقوله عز و جل (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) الروم: ,52 وقوله أيضا ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) فاطر:.14 فهذه الآيات تبين أن الأسباب إنما تستمد فاعليتها و نتيجتها من الله عز و جل. ثم قد يسأل السائل، ففيم إذن التعامل مع الأسباب؟ لماذا نجلس فننتظر حكم الله و سلطانه؟؟ والجواب أن التعامل مع الله يكون بالانسجام مع أوامره، والتعامل مع نظامه، فإن جعنا نأكل، و إن مرضنا نتداوى، و إن ظمئنا نشرب، و مع كل هذا لا فاعلية إلا لله، و لا تأثير إلا بحكم الله. وانظر إلى قصة السيدة مريم العذراء حين أنبت الله لها التمر في غير ميعاده وأسقطها في حجرها لكن الله سبحانه أمرها بهز جذع النخلة (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) مريم:,52 فقد أمرها بالقيام بوظيفة التعامل مع الأسباب، وهي هز جذع النخلة، و تكفل الله برزقها. أما الأثر التربوي حين تتعامل شرعيا مع الأسباب، فهو اليقين الذي يملأ قليك، ولسانك الذي سيكون دائما في حالة شكر و حمد و ثناء عليه عز و جل، وتزداد ثقتك بالله و الطمأنينة إلى قضائه وقدره. هكذا إذن يكون المسلم، يتعامل مع الأسباب مع اليقين التام في الله و قضائه و قدره، تنفيذا لوصية الرسول صلى الله عليه و سلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه مسلم: (...استعن بالله و لا تعجز، و إن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان، و لكن قل قدر الله و ما شاء فعل)