جرح اليوم هو الأنزف .. لم نعد نعرف أي العبارت نختار، الهادئة أم التي تنطلق بصراخ يرج العقول الخاملة.. أم نطلق العنان لدموعنا فتتكلم بدلا عنا .. أو نأخذ دور كل الأمم وهي تغص في الصمت الرهيب، والله إن القلب ليتألم، والعيون لتدمع، إن آهات إخواننا في قطاع غزة والقدس وكل البقاع كالخناجر تطعنُ صدورنا وتمزق قلوبنا. قصف لا يزال يرن صوته فوق رؤوس أحبابنا، حصار منع عنهم الطعام والدواء والوقود.. ونحن نقبع أمام شاشات التلفاز نتابع مسابقات الحسناوات للحصول على لقب الملكة، ونتابع آخر أخبار الفنانين والمشاهير .. وإما مشغولون بالتصويت لإحدى مسابقات ''...'' التي تجاهر بمعاصيها ولا تجد منا سوى التشجيع والتصفيق.. كم من الأموال أنفقنا على هذه التفاهات، لا بل على هذه المهلكات ..أخبرونا بالله عليكم .. كم من الأموال رمى بها القوم تحت أقدام الراقصات، أو أحرقوها بالسجائر والمخدرات، أو ألقيت على طاولات القِمار، في حين أن شعبا كاملا لا يجدُ ما يداوي به جرحه أو يسكت به جوعه تحت وطأة الحصار.. ماذا فعلنا كمسلمين لهذا الشعب، أم أن الواقع الذي نعيشه اختلط بالأفلام الخيالية التي نشاهدها، فلا نفعل إلا كما يحدث أثناء مشاهدة الأفلام، ننتظر النهاية لنعرف البطل، ونصفق له! هذه المرة، البطل ليس مهند، وليست لميس، ولا مشهورا من المشاهير الذي امتلأت جيوبه بالأموال، هذه المرة .. البطل شعب كامل يواجه الموت بشجاعة في ظل ظلامٍ دامس والموت مصيره الوحيد، فلا يبكي لأجلِ بضعة دراهم، ولا يصرخ لوخزة إبرة، ولا يموت لموتِ حبيب ... هل رأينا تلك الأم الثكلى التي فقدت ولدها، وهو نائم على صدرها، لا يعرف ماذا يشكو؟؟ أيشكو المرض الذي اجتاح جسده النحيل؟ أم يشكو البرد الذي جمد أطرافه.. أو يشكو خوف الصواريخ التي تطربه بصوتها ليلةً بليلة !! أخبروا الشهداء الذين يموتون كل يومٍ وكل ليلة، الشهداء الذين يموتون في وضح النهار على شاشات التلفاز، ونحن لازلنا ننتظر ظهور البطل في آخر كل مشهد!!! أخبروا المرضى الذين ماتوا بعد نفاذ الدواء، أو بعد أن قطعت الكهرباء عن الأجهزة التي تربطُ أجسادهم الضعيفة بالحياة !! أخبروا أطفال غزة الذين واجهوا ظلام الليل بإشعال الشموع؟! كل ما يحدث للأسف لم يحيي في قلوبنا ضميرا قتله الصمت العربي.. لم نجد غير نفس المقاعد التي نجلس عليها أمام شاشات التلفاز لنتابع المشاهد الأخيرة، في حياة شعب بطل، واجه الموت بأيادي ساكت أخرس ؟؟!! إذاً .. فلنذهب ولنغسل أيدينا .. فلا زالت تفوح منها رائحة الدماء..