ما تزال الكلمة تقرع أجراسها الآذان والعواطف وتهز إبرتها المشاعر، فتنزف حزنا وتفيض غضبا حينما تتحول الى صورة تعرض لك المأساة العربية بكل تفاصيلها وتعنت المجرمين في إذلال الأمة وإهانة الوطن وهي تطعن بكل قوتها شرفه وأشرافه وتستعرض عضلاتها في عاصمة الخلافة وسيدة الدنيا دار السلام، صدام حسين يفتح جرحه في الذاكرة العربية رغم تغطية الوجوه بالأيدي والاستدارة بالقفاء للمشهد حتى لا تجرح الصورة والموسيقى والكلمة الوريد العربي ليستمر النزيف، كان هذا اللقاء مع الشاعر علي الكيلاني منتظرا في ''موعد مع الكلمة'' بقاعة الأطلس، إلا أنه اعتذر لسقوط الطائرة الليبية بمطار طرابلس وهي قادمة من جنوب إفريقيا. غاب علي الكيلاني بعد أن مرر كلماته وموسيقاه على الوريد العربي، فجعله يفور دما وغضبا وينزف حقدا وكراهية للأعداء ولمن يداهنونهم ويجارونهم ويحنون لهم الرؤوس ويتبادلون معهم رنات الكؤوس خوفا منهم وخوفا على ما اكتسبوه وجمعوه. الكلمات هزت قاعة الأطلس، الموسيقى وهي تعرض ألبوم المأساة يوم ذلك العيد الأسود ذات فجر، لم يشرق فيه إلا الدم ولم يكتب فيه إلا الحزن. الوريد الذي قطعته الخناجر ومزقته الحراب فانفجر دما عربيا يقلق الصمت ويفضح كل الوجوه التي فقدت ملامحها العربية ''وين الملايين.. وين العرب وين''، كانت الكلمات مقاومة بحق، بل فتحت مركزا لتجنيد الأحاسيس والمشاعر لضرب بعنف ذلك الصمت المغلق، بل ذلك الخضوع التي يتم تلوينه وتنميقه بالكبرياء الزائفة وبالوطنية التي لم تعد سوى جملة تحمل اسم وطن وشارة صفراء ليس لها أي رنين أو وقع بين الناس. ربما تكون غزةوالجنوب اللبناني، ربما تكون المقاومة العراقية التي مازالت تمزق أرتال المحتل القادم من خلف المحيطات، ربما هي القدس التي تفتقد عروبتها كل يوم وتصنع ملفا ضخما أضخم من مساحة فلسطين لو تم نشره. علي الكيلاني حمل الأوطان والثورة في محبرته وسار يبحث عن قصيدة، يبحث عن كلمة في حجم المأساة وفي قامة الشهداء، شاعر جاء لعكاظية الشعر العربي بالجزائر ليستعرض المأساة، لكن المأساة حجبته وغيمتها كانت أكبر من سحابة بركان إسلندا الرمادية التي شلت شرايين السماء وأوقفت طيور الفلاذ عن التحليق. علي الكيلاني شاعر ليبي من مواليد 1955 في بادية سرت، حفظ الوطن والأمة وامتد ظله شعرا وأنتج العديد من القصائد منها: ''رفاقة عمر'' (النجع)، ''وين الملايين'' (غناء جويليا بطرس)، ''غضب الشعب''، الله أكبر''، ''من يجر أو يقول''، (غناء أسماء الشبلي)، ''يا أمي''، ''الحصار''، ''ثوري ثوري''، ''القديس الرئيس صدام حسين''، ''رائعة الوريد'' (غناء نوال غشام)، ''ملحمة الشهيد صدام حسين'' (غناء أمل الشلبي)، (أولى القبلتين'' (غناء أصالة). حين تجتمع الكلمة والصورة والموسيقى تندلع معركة الأحاسيس والمشاعر، تنتفض البراكين النائمة منذ آلاف السنين، يتوافذ الشهداء والضحايا وترتفع سحب الغبار والأدخنة من الأنقاض والبنايات المهدمة، تجتمع أشلاء الضحايا من أطفال ونساء وتخرج إلى السطح مغبرة مرمدة وممزقة وطرية بالدم، الحصار، القصف على غزة، سقوط بغداد، وختامها قذفة الغضب، حذاء الزيدي الذي انتقم وصفع وجه بوش.