المتعارف عليه دوليا، أن الدول التي تحتضن الملتقيات والتظاهرات الإقليمية خصوصا الثقافية منها، تحرص على إبراز مكونات هويتها والعناصر المشكلة لموروثها الثقافي، لكن في الجزائر نعد البلد الوحيد الذي يحيد عن هذه القاعدة، فعندما نحتضن تظاهرات ثقافية قارية نصرف عليها ما يكفي لتشغيل جيوش من الحراقة ونستضيف رهطا من المثقفين يمثلون قارة بأكملها لنخاطبهم بلغة غيرنا، ونحجب عنهم اللغة الرسمية الضاربة في جذور هذه الأمة مثلما فعلت وزيرتنا للثقافة في لقاء خبراء الثقافة الأفارقة. خليدة التي سارعت للتبرء من ضيف أمين الزاوي أدونيس الذي نظّر للخلق في أسباب تخلف العرب والمسلمين وأعطى شروط الإقلاع الحضاري من تحت قبة المكتبة الوطنية، لم تحسن صنعا هذه المرة رغم أنها اجتهدت في تعلم العربية وصارت تحسنها بطلاقة، لكنها في النهاية فضلت لغة من حاولوا إهانتها ذات مرة في باريس وهي وزيرة في الدولة الجزائرية. المسؤولية في هذه المعضلة اللغوية لا تتحملها خليدة وحدها من باب العدل، لأن الأمر قديم ومتجذر في الإدارة الجزائرية والكل يتذكر قصة والي تمنراست مع الرئيس الراحل هواري بومدين في اللقاء الخاص بولاة الجمهورية سنة ,1971 عندما كان يهم بإلقاء مداخلته بالفرنسية حين تدخل الرئيس بومدين ومنعه من ذلك مطالبا إياه باستعمال اللغة العربية بدل الفرنسية، الأمر الذي أوقع الوالي في حرج كبير كون المسكين لا يجيد العربية ولأسباب تبدو أكثر موضوعية في ذلك الوقت منها الآن. واليوم يطل علينا جل المسؤولين بمن فيهم الأميار الذين صاروا يجتهدون في التكلم بالفرنسية حتى في البلديات النائية التي تعتمد على الفلاحة وتربية المواشي، رغم أن تعلمها ليس عيبا ولا تهمة، لكن الإشكالية هي أن يتطور الأمر إلى أن تصبح موضة مفروضة في كل المناسبات سواء الوطنية أو الدولية، ويستمر مسلسل التطاول على اللغة الوطنية المجني عليها ليلا ونهارا من قبل كمشة من البشر احترفوا الإساءة لها، تارة باسم التفتح وتارة أخرى بلعن كل منتقد للوضع بوصفه بالظلامي والرجعي والكائد لتقدم هذه البلاد، لأن ذلك سيتم بين يدي لغة موليير. رغم أن كل التجارب أثبتت العكس وحتى ثقافيا كل من راهن على الفرنسية للإقلاع نحو العالمية سقط بسبب الفرنسيين أنفسهم، ولكم في بوجدرة والطاهر بن جلون الأسوة (.