احتفل الجزائريون أمس بالذكرى الرابعة والخمسين لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر العظيمة التي كانت بحق بعثا للأمة والدولة الجزائرية، بعد سنوات من الطمس والجاهلية الاستعمارية، المفروضة بقوة الظلم وبمنطق ''الحقرة'' الدولية. ولعل اختيار رموز الوطنية بمختلف توجهاتهم السياسية الفاتح نوفمبر الذي صادف ذات خريف من سنة 1954 لم يكن عبثا، كما لم يكن ترسيم الخامس جويلية من كل سنة عيدا وطنيا للاستقلال بقدر كونه نكاية في استعمار الأمس الذي أجبر أهالي الجزائر المحروسة على توقيع معاهدة الاستسلام وتسليم مفاتيح المحروسة لعتاة السكارى والمرتزقة ذات الخامس من جويلية سنة 1830م عبد دفاع مستميت عن ترابها ومقدساتها. فلقد اختار الشلة والثلة القليلة ممن خططوا لهذا الأمر الفاتح من نوفمبر المصادف ل 12 ربيع الثاني ذكرى المولد النبوي الشريف في دلالة قوية على الرابط الهوياتي لهذا الشعب، وإيذانا بمولد بل ببعث جديد لدولة وحضارة سادت المنطقة لقرون من الزمن دون أن يتجرأ احد على مناكفتها، كما تزامن ذلك مع عيد من أعياد المسيحيين الذي تقل فيه اليقظة وتبهت فيه نار الحذر لإعلان بداية الكفاح، واسترجاع ما أخذ بقوة ''الحقرة'' بقوة ''الحق والعدل''. ولا يماري احد في قيمة التضحيات التي بذلها هذا الشعب في سبيل استعادة حقوقه المغصوبة ظلما وعدوانا في سياقات محلية ودولية أقل ما يقال عنها أنها جد صعبة، وهو ما يجعل منه (أي الشعب الجزائري) متمسك أشد التمسك بها وبنتائجها، بل وبدوافعها والأطر التي رسمت لها في مسيرتها. هذه الثورة التي يجمع الإنس والجن على عظمتها لا شك أن بعض الخلل قد شابها، وهو أمر لا ينكره إلا مكابر، بل وقد صرح به كثير من قادتها على أساس أن من قام بها البشر لا الملائكة، وذلك من تجليات عظمتها من خلال عظمة اجتهادات من خطط ودبر ونفذ. وفي هذا المقام إقدام رئيس الجمهورية على تخصيص ما يعزز ويكرس الثورة ورموزها في التعديل الدستوري المقبل أمر ذا بال، وخطوة في الاتجاه الصحيح من أجل صيانة هذا الإرث من التلاعب، وحمايته من المزايدات السياسوية، التي ساهم فيها قلة النصوص القانونية واستنكاف المؤرخين وذوي الشأن من لعب دورهم كاملا للحيلولة دون المساس بمقدسات وتاريخ الشعب الجزائري. ولا بد أن لا ينحصر الفهم في ''رموز الثورة'' على الشخصيات الوطنية والتاريخية، إلى كل ما له صلة بالدولة الوطنية وتاريخها، فكما لا يمكن التسامح مع التعدي العلم والنشيد الوطنيين، كذلك الحال مع المسلمات التاريخية للبلاد وهويتها، التي يمكن للتلاعب بها أن يجر علينا الويلات ويخدم جلادي الأمس الذين هم في تنكر دائم للجرائم المقترفة في حق هذا الشعب وتاريخه، وما أسعدهم حين يجدون العضد من المظلومين على أيديهم، لاسيما وأنهم في غي تمجيدهم لاستعمارهم يعمهون.