أتذكر وأنا شبل صغير حين كنت استمع إلى أحد المغنيين، وهو مغني شعبي كان يردد و يقول في إحدى أغانيه ،'' اطلب من الله أن يأتي الريح الغربي الذي يدمر العمارات ''، وكأني به يأمل في ذلك لأن محبوبته كانت تسكن بعمارة من العمارات ولم يظفر بها، لذلك كان يريد للعمارة أن تنهار بمن فيها، وقد ينجو هو وكأنه شبح، هكذا كان يبدو لي الأمر ولم يصعب عليا تحليله. لكن الذي كنت اتساءل عنه وتمنيت أن اسأل عنه ذلك المغني ولم أفعل حتى الآن هو مدى قوة الرياح الغربية، وهل هي فعلا قوية لدرجة تدمير العمارات ؟ سواء عرفت الإجابة أو لم اعرفها اليوم أصبحت متأكدا ومتيقنا أن كل ما يأتي من الغرب فهو فعلا ضار بشهادة الجميع، وكذلك التاريخ الذي لا يغفو عن التسجيل سواء أكان ذلك متمثلا في عامل من العوامل الطبيعة، أو من أفعال المخلوقات البشرية الغربية السامة، شأنها شان المخلوقات البشرية الأمريكية والصهيونية وأفعال الطبيعة هناك، التي ربما لم يسمع عنها ابننا المغني أو لأنه كان يعرف أن لا قوة مدمرة لها سوى الخبث والعبث وإحداث الفوضى في مطاردة الأشباح، فيجد نفسه متابعا من طرفها، لذلك لم يدعو الله أن تهب رياحها في أي من أغانيه، وفعلا فكل ما يأتي من الغرب هو مدمر وما يأتي من أمريكا هو إحداث للفوضى والفتن، كما هو الحال في أفغانستان والعراق وغيرها وعافانا الله شرهما مجتمعين. اليوم وبعد أن استقر العالم نسبيا وخرج من كل تلك الحروب الأولى والثانية وحتى الباردة، وما إن اخذ أنفاسه وبدأ في الانفتاح والالتفاف حول بعضه، ومضى نحو التقدم بولوجه عصر التكنولوجيا، بغض النظر عن بعض الزوايا التي كان يتصاعد منها دخان قليل وكأنه مدخنة انطفأت نارها، في بيت كبير، يخيل لك أن موجة برد شديدة قد مرت عليه ثم زالت، فخرج أصحابه يتفقدون المكان ويعيدوا ترتيبه ويدخلون عليه تغييرات جذرية، وما إن اتضحت صورته وشكله الجميل الذي يغري الناظر إليه، حتى استيقظ أصحابه على صراع آخر افتعله وأقول افتعله القط والفأر وبدأ الأول في مطاردة الثاني، بدعوى أنه دخيل على البيت ومخرب يجب القضاء عليه أدى إلى أحداث فوضى وسط ذلك البيت الجميل فعم الخراب وألحقت به الأضرار، وهو حال أمريكا اليوم وما يسمى الإرهاب وحربها عليه ومطاردتها له وهذا الخراب والدمار الذي أحدثته في العالم، بفعل حرب الخراب ضد السراب وإلا فكيف نفسر حرب بدون أسرى ولا نتائج غير أبرياء غوانتانامو وأبوغريب؟ وهو أبسط تحليل قد يتناوله تلاميذ المدارس الابتدائية. فمنذ أن أعلنت أمريكا حربها (اللغز) لم نشاهد أو نسمع أنها قد أسرت شخصا واحدا من صناع الإرهاب كما تدعي، وهي القادرة بترسانتها العسكرية والتكنولوجية أن تطارد وتأسر حتى الأشباح كما تصور ذلك للعالم ؟ فهل أنا المخطئ أم أن حالها فعلا حال من يضع خاتم الذهب في أصبعه وسرواله رث مهترئ ؟...مكشوف؟ نعرف عن الشقيقة سورية، أنها كانت واإلى الأمس القريب تعيش أحسن أحوالها الأمنية واستقرارها الداخلي غير ذلك التلابز الخارجي، وهو حال الكثير من دول العالم لكن وما إن هبت رياح الشر على الشرق وعبثت أمريكا في إحداث الفوضى وعممتها في كل من أفغانستان والعراق، وعاثت فيهما فسادا وخرابا، ها هي اليوم تغرس مخالبها على أرض الشام محاولة زعزعة جداره، فبعد أن غذت ما صنعته يدها لإحداث الضجيج ولو بحجم ضجيج الفأر للدخول معه في مطاردة لا تنتهي إلا والفوضى وراءها، هذا ما تسعى إليه إدارة الشر الأمريكية وتأمل فيه من خلال تحريكها لعرائس القراقوز أو الفأر المزعوم الدخيل، داخل الأراضي السورية التي تعتقد أن مطلوبين لها عندها أو أنها تأوي أشخاصا تراهم خطرين على أمنها وامن اللقيطة إسرائيل، ولا شك في أن ما آل إليه الوضع الأمني في الشقيقة سورية فلإدارة الشر يد فيها، وهو ما أكدته في كذا مناسبة، بل ومنذ ما قبل احتلال العراق وتبقى المسألة مسالة وقت فقط ليس إلا، أو لنوضح الأمور أكثر ونعيز ذلك إلى مسألة غرقها في المستنقع العراقي الذي تأمل في خرابه وتسليمه إلى الغربان التي جاءت بها، وهي الغربان التي لا تحوم إلا حول الميتة. لقد اتضح أن الرئيس القادم سواء أكان (باراك اوباما) أم (جون ماكين) فإن الشقيقة سورية لن تكون بمنأى عن الهجوم المحتمل، إن لم نقل الأكيد بقيادة الأول كان أو الثاني، واعتقد أن الخطة مدروسة والطريقة مرسومة وجاهزة، في ملف لم يدخل أدراج مكتب حاكم البيت الأبيض، بل مفتوح وينتظر قدوم الرئيس التالي لإتمام المهمة القذرة مهما كان رأيه حولها، المهم التنفيذ وهذا ما يعرف عن السياسة الأمريكية عند تسليم المهام بين الرؤساء ولا خلاف في ذلك ولن يتخلف احدهم في التنفيذ مهما اختلفا، واللذين لا يختلف انتماؤهما السياسي كما يعتقد البعض، فالجمهوري ديمقراطي والديمقراطي ماهو إلا جمهوري، لذلك أصبح وبحكم المؤكد أن الشقيقة سورية على مرمى حجر بل وأقل من هجوم أمريكي وشيك، وليس بالضرورة أن يكون عسكريا. فالمتتبع للأحداث الأخيرة التي شهدتها سورية مؤخرا، يجد الدليل القاطع على ذلك فمن سلسلة الانفجارات والاختراقات الأمنية التي ينفذها عملاء الموساد داخل الأراضي السورية منها اغتيال عماد مغنية إلى التفجير الأخير على طريق المطار، انقلبت الصفحة وانتقلت إلى اختراق الأجواء والأراضي السورية من طرف القوات الأمريكية على الحدود مع العراق وقتل العديد من المواطنين السوريين، وهم آمنين على الأرض السورية بدعوى ملاحقة المسلحين. المفارقة وفي المفارقة طرفة - كما أقول دائما - أن أمريكا تلاحق المسلحين الأشباح في المشرق والمغرب وأراضيها تعج بمن يعتقد أنهم مدبرو هذه العمليات، فهي تأويهم وبنوكها تعاني التخمة من أموالهم الضخمة الجارية والمجمدة، وحدودها وموانؤها لا تكف عن تسريب الأسلحة، وهو ما يجعلني أقول وأختصر كلامي بأن ما تقوم به أمريكا هو ما يقوم به الضفدع عند هطول المطر، حيث يرمي بنفسه إلى البركة الموحلة هروبا من ماء المطر النقي وذلك لأنه أبله. وما أقوله في ختام مقالي هذا هو كلمة واحدها أوجهها إلى الرئيس بشار الأسد وهي أن تحرر أبناءك وتتحرر من كل الأجسام الغريبة المحيطة بك واعلم انك لن تجد في الأخير إلا ما صنعت يداك.. لا تهب أبواق الرعاة ولن تجدي تهديداتهم نفعا والسباحة في المياه العكرة نتركها للضفادع يا أسد.... والمياه العكرة تغرق فيها حتى التماسيح. * صحفي بجريدة ''بيت العرب'' الدولية - القاهرة