تعول منظمة الصحة العالمية، في غياب أي علاج في المدى القريب، على الحجر الصحي لمواجهة وباء كوفيد-19، باعتباره السلاح المتوفر حاليا في هذه المعركة العالمية ضد الوباء. ولذلك أطلقت المنظمة صفارات الإنذار باتجاه حكومات الدول للحيلولة دون أي رفع متسرع للحجر الصحي، لأن ذلك يعد، حسبها، “عودة الفيروس للانتشار من جديد”. تواجه معظم حكومات العالم معادلة صعبة التحقيق، كيف يمكن الحفاظ على حياة المواطنين من تفشي وباء كورونا القاتل، من خلال فرض الحجر الصحي لأسابيع عدة، وفي الجهة المقابلة كيفية تحريك الآلة الاقتصادية المتوقفة كليا، للحيلولة دون أن ترافق الأزمة الصحية، أزمة اقتصادية قاتلة. كل الحكومات بدأت تواجه ضغوط داخلية، خصوصا من أرباب العمل للعودة إلى النشاط الاقتصادي، للتخفيف من آثار هذه الأزمة الصحية على القطاع الاقتصادي، الأمر الذي دفع منظمة الصحة العالمية، الدركي العالمي في مجال الصحة، إلى إطلاق صفارات الإنذار إزاء الحكومة تحذرهم من مغبة الإسراع في رفع الحجر الصحي قبل آوانه، مشيرة إلى أن ذلك من شأنه “أن يعيد الفيروس للانتشار مجددا”، وهو ما يسميه الأطباء “موجة ثانية” من انتشار العدوى. وتتمسك المنظمة الدولية على أنه في غياب أي لقاح ضد “كوفيد-19″، في المدى القريب، فإن الحجر الصحي يعد السلاح الوحيد المتاح أمام الدول لحماية مواطنيها من هذا الخطر الزاحف والمنتشر في مختلف القارات. بالموازاة مع ذلك أوصت منظمة الصحة العالمية مختلف الحكومات، بضرورة إجراء تحاليل واسعة للمواطنين، لعزل المصابين عن غير المصابين، قبل مباشرة تدابير رفع الحجر الصحي والعودة إلى الحياة العادية. غير أن هذه الوصية التي أسمتها المنظمة “تحاليل… تحاليل… تحاليل”، ليست متاحة أمام الحكومات بالنظر إلى ندرة أجهزة التحاليل وعدم قدرة المصانع إنتاجها بالقدر الكافي، حيث فاجأ الوباء جميع الحكومات التي وجدت نفسها لا تتوفر على مخزونات سواء لأجهزة التحليل أو للكمامات وأدوية الإنعاش، مما زاد في حدة الأزمة الصحية، خصوصا وأن الصين المنتج رقم واحد عالميا لمثل هذه الأجهزة، توقفت مصانعها بعد تسجيل بؤرة الوباء الأولى بمدينة ووهان الصينية وتنفيذ حجر صحي لمدة 70 يوما. وبين أولوية الحماية الصحية وبين تفادي الأزمة الاقتصادية، تقف مختلف حكومات العالم فوق صفيح ساخن، فمن جهة طول مدة الحجر الصحي دون بروز مؤشرات عن لقاح في الأفق، بدأ ينتج أزمات مجتمعية، ومن جهة توقف الاقتصاد لمدة طويلة أدخل الدول في مرحلة كساد ستكون لها عواقب وخيمة في المستقبل، لأن ما يجري الآن من أزمة لم يعرف العالم مثيلا له من قبل