تشهد الأحياء الجزائرية هذه الأيام حركية غير معهودة في الشوارع و المحلات بشكل ملفت للانتباه ،مستبشرين بحلول شهر رمضان الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى أيام معدودات،كل و طريقته الخاصة في استقبال الشهر الفضيل بالعمل على إحياء الطقوس التي توارثوها عن أجدادهم. تعودت العائلات الجزائرية ككل عام في هذا الشهر الفضيل إحياء طقوس متوارثة عن الأجداد و الاحتفاء بأيامه المباركة ،خاصة و هو الشهر الذي يتميز عن غيره من الأشهر بلمّ شمل كل أفراد العائلة،أجواء من الفرحة خيمت على الشوارع و الأسواق الجزائرية التي لبست حلة رمضانية جديدة،توقفت عندها جريدة "الاتحاد" و رصدت بعض هذه الأجواء التي تطبع بعض أحياء العاصمة. تعدد صور الترحاب لاستقبال سيد الشهور تتعدد صور الفرح و الترحاب بهذا الضيف الكريم و العزيز على قلوب المسلمين،فكل و طريقته في استقباله و إحياء كل ما يمكن إحيائه من شعائره،فهذا يقبل على اقتناء أواني جديدة و ذاك بدهن منزله، فيما نجد جزائريات يتبادلن كتب الطبخ لتحضير ما طاب و لذ من الطعام خاصة الأطباق التي تتميز بها المائدة الرمضانية ك المثوم..بكبوكة..دولمة..طاجين زيتون..و غيرها من الأطباق المختلفة ،فيما تقبل بعضهن على تنظيف بيوتهن و تجديد الأواني المنزلية و اقتناء أفرشة راقية احتفاء بسيد الشهور، و في هذا الصدد تقول "رميسة" ربة بيت من القبة :"شهر عزيز علينا بزاف..قد محضرنالوا نقولوا شوية"و تضيف أن بيتهم تغير جذريا:"اللي يدخل دارنا إحس بلي راو جاينا ضيف.."،و تضيف "شيماء" من العاصمة أنها بدأت في التحضير لهذا الشهر الفضيل منذ قرابة أربعة أسابيع ،فيما نجد بعض الرجال يخصصون ميزانية كبيرة تحديدا لهذا الشهر الكريم،هذا ما أكده "رابح" تاجر من العاصمة في حديثه مع جريدة "الاتحاد" أنه يخصص ميزانية تصل أحيانا إلى 50 ألف دينار جزائري بحكم الأطباق التي يحضرونها في رمضان لا تكاد تخلوا من اللحوم..فيما يستطرد زميله "إبراهيم" أنه في بعض من الأحيان يضطر إلى تسليف قرض من أصحابه لكي يغطي حاجيات الطبخ في رمضان،و حتى فئة الأطفال نصيبهم في استقبال هذا الشهر بألبسة جديدة و أيدي مزينة بالحناء. فرحة الأطفال بالضيف الكريم و لم تقتصر مظاهر الفرحة و السرور على الكبار فحسب،فحتى الأطفال نجدهم يعبرون عن فرحتهم بقدوم الشهر الفضيل و إن كان بعضهم لا يصومونه و لا يعرفون معناه،فنجدهم يقبلون على اقتناء ملابس جديدة و قمصان يلبسونها عند مرافقتهم لأوليائهم قصد حضور صلاة التراويح و الدروس التي تقدم في رمضان،إضافة إلى تعودهم على السهرات الرمضانية التي تضفي لهم جو من المرح و السهر خارج البيت. من "فاست فود" إلى "قلب اللوز" و "الزلابية" فيما يرى بعض الشباب في هذا الشهر مصدر رزق مربح لهم،ما أكده "محمد" و "عز الدين" و "سفيان" الذين لم تجمعهم الصداقة فحسب و إنما اتخذوا من صنع "الزلابية" كصنعة محترفة لديهم في محل يقضون فيه يوميات الشهر الكريم في خدمة الزبائن و بذل جهد لتقديم الأجود لهم،حيث عبروا عن مدى اشتياقهم لتلك الأيام و فرحتهم بقدوم الشهر الفضيل،فقال "سفيان" في حديثه لجريدة "الاتحاد" أن صنعة الزلابية اعتاد عليها منذ صغره فكان يعمل كمساعد لأبيه في محل لهم و بعد أن غيبه الموت قرر أن يشترك مع أصحابه ليحافظ على صنعة أبيه:"صنعة الزلابية سكنت فيا ..الخدمة تع رمضان وحدها و دراهمها فيهوم البركة.."،أما "عز الدين" أكد لنا أنه يرتاح أكثر في شهر رمضان مقارنة بالأيام العادية التي يعمل فيها كبائع في محلات الوجبات السريعة،فيما اعتبرها "محمد" صنعة خفيفة و مربحة ،فيما صرح "كمال" صاحب مطعم بالعاصمة أنه سيحول مطعمه خلال شهر رمضان إلى محل لبيع مختلف الحلويات التقليدية"القطايف و الزلابية و قلب اللوز.." و غيرها من الحلويات التي تعرف إقبالا واسعا من قبل المواطنين خاصة في السهرات الليلية،فغالبية الشباب و التجار نجدهم قد بدؤوا نشاطاتهم التجارية الرمضانية التي تقتصر معظمها على الفترات الليلية،و ذلك بتحويل بعض المطاعم و المقاهي إلى محلات لبيع المستلزمات الرمضانية التي لا يمكن الاستغناء عنها في المائدة الرمضانية طيلة الشهر الكريم. أسواق بحلة جديدة كما تعرف الأسواق الجزائرية هذه الأيام حركية واسعة و إقبال متزايد للزبائن من كلا الجنسين دون الاكتراث بحرارة الصيف المرتفعة،و عن سبب اكتساح الجنس اللطيف للسوق اقتربت جريدة "الاتحاد" أثناء تواجدها بسوق الخضروات ببئر خادم،فقالت "سهيلة" ربة بيت أنها تضطر للذهاب إلى السوق طيلة الشهر الفضيل بسبب تأخر زوجها عن الدخول إلى البيت بحكم عمله الاداري،أما "نصيرة" تقول:"منحبش نقضي مي في رمضان حالة خاصة نحب نشري وحدي باش نطيب كيما نحب أو نكمل بكري.." خاصة و أن الأسواق اكتست حلة التوابل و الفواكه المجففة و مختلف أنواع الخضروات التي يزينها المعدنوس و حشيش الشوربة تستقبل مشتريها بأطيب الروائح و أزكاها. ارتفاع الحرارة لم تثني من عزيمة الصائمين أغلبية الذين التقت بهم جريدة "الاتحاد" تزايدت مخاوفهم نظرا لتزامن شهر رمضان هذه السنة مع فصل الحرارة و بلوغ ساعات الصيام حوالي 17 ساعة،قد تزيد الصائمين إرهاقا و عطشا فنجد بعضا منهم يقبلون على اقتناء المكيفات الهوائية و البحث عن حلول تمكنهم من التغلب على هذه الحرارة،هذا ما أكده مجموعة من المواطنين في دردشة لهم مع جريدة "الاتحاد" في حي بئر خادم بالعاصمة "رمضان تع هذا العام بلاك إيكون صعيب ربي إقدّرنا عليه..""ندوا كونجي و نصوموه فالدار سخانة بزاف برا..نشروا كليماتيزور و نصوموه إنشاء الله..جدادنا صاموه و احنا منصوموهش مجياش...فالحرارة لم تثن عزيمتهم من أداء أحد شعائر الإسلام الخمسة بل ازدادوا تمسكا بصيامهم. رمضان ..يفتح أبواب الجنان كان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية ويولونه أشد الاهتمام ويستعدون لمقدمه فرحا بقدومه، واستبشارا بفضله، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا ببلوغه رمضان، فإذا دخل شهر رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"،وكان المسلمون يستقبلونه بقولهم: اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن، وذلك لما يعلمون من فضل رمضان وسعة فضل الله عليهم فيه، وما ينزله تعالى على عباده من الرحمات، ويفيضه عليهم من النفحات ويوسع عليهم من الأرزاق والخيرات ويجنبهم فيه من الزلات، حيث يفتح لهم أبواب الجنان، ويغلق عنهم أبواب النيران ويصفد فيه مردة الجان، فهو للأمة ربيعها، وللعبادات موسمها، وللخيرات سوقها. فلا شهر أفضل للمؤمن منه ولا عمل يفضل عما فيه، فهو بحق غنيمة للمؤمنين،و قال صلى الله عليه وسلم: "أظلكم شهركم هذا. بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه. بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخله، ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله وذلك أن المؤمن يعد فيه القوت والنفقة للعبادة. ويعد فيه المنافق إتباع غفلات المؤمنين وإتباع عوراتهم فغنم يغنمه المؤمن"، إنه غنم له في العبادة تضاعف له فيها أجر الصلاة وأجر الصدقة ويتاح له القيام مع الصيام، ويتجه فيه إلى تلاوة القرآن. ومجالس الإيمان فيتزود منه إلى عامه كله.